ليست كل الأيام عسل، فإن كانت كذلك بظاهرها لا بدَّ من وجود عيبٍ ما يجعلها هكذا.
القلب اليَقِظُ لا بدَّ أن يتعب، والعقل المفكِّر المتدبِّر لا بدَّ أن يأخذ استراحةً ما.
كل ذلك من المسلَّمات الَّتي لا أتوقع أنَّ فيها جدل، فمن منَّا بلا همٍّ؟ أو يعيش سعادةً مطلقةً واستقرارًا لا منتهٍ؟.
بالتأكيد لا أحد إلَّا المجانين.
كنت أنظر إلى تلك الاستراحات ولحظات التَّعب والإرهاق والرُّكود وإلى الوحدة أحيانًا، على أنَّها أشياء سيئة بالمطلق، ولا يجب الجنوح إليها ولو قليلًا، لأنِّي طالما أحسست بها كرِمال متحرِّكة، ما إن تستسلم لأوَّلها حتَّى تلتهمك بكل بطءٍ ودون أن تستطيع الحراك، فتنظر إلى نفسك ولا ترى إلا شمعةً توشك على الانتهاء.
ولكنِّي مع رفضي وكرهي لتلك الأشياء، أقع في شباكها، ولا بدَّ لي من ذلك.
دونَ أن أصل الحدًّ الَّذي أُصبح فيه ملتَهَمًا مستسلمًا بلا حِراك.
أدخلها لأستفيد من تفاصيلها، وآخذ راحتي القصيرة ثم أعود لأنهض.
لا أُعجب بالكسل المثير والرَّاحة المزيَّفة الَّتي تمنحني إياها ، أرتاح وأقاوم الرَّاحة ، أعيش الوحدة محبًا للرجوع إلى الجماعة، وأتعاطى الكسل وأنا مدمنٌ قديمٌ على النَّشاط، لم يعد كرهي لها كما كان سابقًا ، فقد تأكَّدت من أنَّها سلاحٌ ذو حدين.
ضعف نفسك، وخنوع إرادتك، واستهواؤك للرُّكود هي من تجعلها سلاحًا لك لا عليكْ.
عندما تمتلك الجرأة لركوب الأمواج العاتية وتحدِّيها، اعلم أنَّ الشاطئ خلفها ينتظرك بكلِّ تأكيد.
كان لا بدَّ لي أن أدخلها كل فترةٍ إذ أنَّ معاركي مع الحياة كثُرت، أو أنَّنا في بلادنا أعداء للحياة.
أصبحت أدخلها وأجعلها مختبرًا لمراجعة أبحاثي الَّتي توصلت إليها مؤخَّرًا. تصرُّفاتي مع من حولي، وتصرُّفاتهم معي، وردود أفعالي المختلفة.
أدرس فيها إيجابياتي القليلة، وأضع حلولاً لسلبياتي الوافية ، أخوض في كلِّ تفاصيلٍ مرحليةٍ مررت بها.
فتكون لحظات الرُّكود مساحات شاسعة لوضع خطط مستقبلية مستمدَّةٍ من تجاربَ ماضية.
وأما الوحدة الحمقاء، فستكون مؤنسي في محاولاتي البائسة غير اليائسة لمعرفتي عمق نفسي، وزيادة تحكُّمي بعواصف داخلي، ووصولي لعدة نتائجٍ، واكتشاف نقاطِ قوةٍ أو تحصين نقاطِ ضعفٍ.
كلُّ هذا قد لا أستطيع الوصول إليها دون تلك الوحدة الحمقاء وذاك الرُّكود الأخرق.
من الممتع أحيانًا أن تستفيد من عدوِّك، ويكون في قوتك نصيبٌ منه. فعندما تملك الإيمان بنفسك حتَّى هذا الحدِّ في أنَّك قد تخسر معركةً ضمن حربٍ كاملة هي حربك ولن تقبل إلا كسبَها.
عندما لا تقف مكتوف الأيدي إذ تغرقك الأمواج وتلتهمك الرمال، ستدخل ظلام الكهف وتنير عتمته بتلك الشعلة التي تحملها داخلك دائمًا.
شتاتك ليس بالضَّرورة ضياعك، فقد يكون شتاتًا لصالحك، تعيد تجميع نفسك بطريقة تصبح فيها أكثر شدَّةً ومقاومة.
قد يستغرب البعض أنِّي وصفت نفسي بالقوَّة أو المنعة، وأنِّي مؤمن بها حتَّى ذلك الحدِّ، وحقُّ الاستغراب في هذا مشروعٌ، فإذا خفيَ السبب بقيَ العجب.
بنفس مؤمنةٍ مسلِمةٍ عرفت ربها ورغم عصيانها خافته، آمنَت أنَّ الكون إذا تخلَّى عنها فلها ربٌّ حاشى أن يتخلَّى، في وحدتها وفي انكساراتها وفي تفكيرها البائس بعقبات الحياة.
لها خمس صلواتٍ، خمس محطَّات استراحةٍ، خمس انفراداتٍ مع من بيده ملكوت كلِّ شيء.
في قمة كسلها هي مطالبة بترك فراشها صباحًا لصلاة الفجر الأكثر روحانيَّة وصفاءً للنَّفس.
نفسٌ إذا أطبقت عليها الأرض بما تحوي، لجأت لسماع آياتٍ قصيرةٍ من كتابٍ كريمٍ، تجعلها تذرف دموعًا تُجلي أعظم حزنٍ وتجبر أحطمَ خاطر.
بتلك النَّفس لن يستطيع شيءٌ النَّيل منك أبدًا، لا وحدة ولا ركود، لن يستطيع شيءٌ النَّيل من همتك وإخماد نارها مطلقًا.
بتلك النَّفسِ يمكنك وبكل سهولة وبساطةٍ أن تصل إلى المرحلة الَّتي بها تستفيد من كلِّ عقباتِ حياتكِ، وتنتشي بالنصر عليها وبها.
وها قد عُرف السبب وحتمًا بَطُل العجب.
بقلم:خالد العمر
2 تعليقات
ابدعت لا تعليق ... انني اقف عاجزاً عن وصف ابا محمد 🌺🌹
ردحذفابدعت 🌸
ردحذف