إحدى الأفكار الَّتي أرى أنَّ الإيمان بها قد يريح الإنسان، هي فكرة أنَّ "معظم" الأذى الَّذي تعرَّض له في حياته كان أذًى عابرًا، ولم يكن موجهًا أبدًا ضده، وإن بدا كذلك.
بمعنى أنَّ حياتنا كبشرٍ عبارة عن مسارات. وعندما تتقاطع هذه المسارات، يقدِّم كلُّ إنسان مصلحته على مصلحة الآخرين.
بل وقد لا يمانع لو تأذَّوا في سبيل تحقيق مصلحته.
الدَّافع الأساسيُّ للأذى هنا لم يكن أذيَّة الشَّخص المقابل، بقدر ما كان وسيلةً لتحقيق مصلحة المؤذي.
وهذه نقطة مهمة، فكّر بالأمر كما لو كنت تسير في طريق مزدحم، والجميع يود تجاوز عن الجميع.
سيصدمك بعض الناس عمدًا، وتتأذى سيارتك، لكن الهدف الحقيقيَّ لم يكن تحطيم سيارتك، بل أن تمرَّ سيارته هو!
رجل أنهى علاقته مع فتاة بعد علاقة حب طويلة.
لم يرغب بتحطيم قلبك، لكنَّه وجد فرصة أفضل. وهذا حطَّم قلبك فعلًا، لكن لم يكن هذا هو الهدف الأساسي.
هكذا هم الناس، يبحثون عن مصالحِهم وتتغير اهتماماتهم.
لكنَّ الأمر لا علاقة له بأذاك أنت شخصيًا.
فعوضًا عن أن تقولي "دمَّر حياتي"، بإمكانك القول بسخريةٍ وأسًى "لم يعجبه شعري المفلفل. "
زميلك في العمل تسبب عبر وشاية في خسارتك عملك.
مرَّة أخرى، لم تكن أنت المستهدف - وإن بدا للجميع ذلك - كنت عقبة في طريق نجاحه، فعوضًا عن إمذاءِك اللَّيل والنَّهار تلعن أجداد أجداده، وتدعو الله أن يخسف به الأرض،
بإمكانك القول ببساطة، أنَّ سيارتك وقفت في طريق سيارته.
ميزة هذه الآلية عدا أنها تمنح الإنسان روح السخريَّة الضروريَّة لمواجهة الحياة، أنَّها تفرِغ قلبه من الحقد.
يحزن طبعًا على خسارته، ولا يسامح من تسبب بألمه - وأنا ضدُّ التَّسامح اللَّزج ـ لكن هكذا يُخرِج الإنسان نفسَه من زنزانة المظلوميَّة،
ينجو من قيود أن ينظر لنفسه كضحيَّة تعيش في انتظار عدالة لن تجيء الآن.
تجعله هذه الآلية المتفهِّمة ينظر للنَّاس بشفقة بدل حمل الغلِّ والحقد، لأنَّ هذه سُنَّة الحياة.
نحن في حالة تدافع دائم، سنؤذي النَّاس ويؤذوننا، كلٌّ بحسب أخلاقه.
تفهُّم ذلك سيجعلنا نستعيد قوانا بشكل أسرع بعد كل سقطة، لنمضي نحو تقاطع آخر.
قد نعتقد أنَّ الحكمة شيء معقَّدٌ وبعيد المنال، لكنَّ الحقيقة أنَّ كل ما يلزم لتحصيلها هو تحييد المرءِ مشاعرَه الشَّخصيَّة تمامًا عند النَّظر للأمور.
ألَّا يسمح لهواه أن يلوّن حكمه، فيرى الحقيقة كاملةً، كالشَّمس في وضح النَّهار.
لا أحد مهتمٌّ بتحطيمنا، خيارات متضاربة في لحظة تدافع، لا أكثرَ ولا أقلَّ.
بقلم: ايناس سعدوني
2 تعليقات
بارك الله بما كتبتِ.. رائع جداً..
ردحذفشكرا الك عمر🌻
ردحذف