هَوسُ فارس




فَتاةٌ في العشرينِ منْ عُمرها تَمشي بِحافةِ صحراءِ الواقعِ خَشيةَ صَبّارِ الألسنةِ التي لا ترحمُ صغيراً ولا كبيراً، هَمُها جَامعتها ذهاباً لِتعودَ لِعملِها إياباً.

تَعودُ لِسريرها متعَبةً منُهكةً تَحتَضنُ كِتابَها لتُلقي بِه تعبَ ساعاتِ دراسةٍ وعملٍ وتَرتَشفُ قَهوتها لاستعادةِ نفسٍ جديدٍ.

كَانت لا تعترفُ بشيءٍ اسمُهِ الحبّ، مُحبةً للحياةِ دون قيد، تَعشقُ الحُريّةَ، تبتعدُ عن بلبلاتِ الحياةِ بمُحادثةِ القمرِ في الليالي السحريّةِ، عندَ حُزنها تلامسُ جُدرانَ قَلبها الأمواجُ البَحريّةُ، تُداعبُ أقدامَها القواقعُ الصدفيّةُ.

وفي يومٍ من الأيامِ الجامعيّةِ خَطفَ فارسٌ قَلبَها واختَارها من بينِ الزهورِ النَديّةِ، ولكنّها لَم تأبه لذلك رَغم مُحاولاتِه العديدةِ ، ظلتْ مُتعاليةً كأنها سيدةُ نساءِ البشريّةِ.

لَكنّ الفارسَ المغوارَ لم ييأس من مُراوغةِ قلبها فقرّرَ إنهاءَ ذلك لِمصلحةٍ شخصيّةٍ.

بِخيالكِ قصصُ الحبِّ حكاياتٌ خُرافيّةٌ ولكنّي طَالبُ القربَ منكِ بخطبةٍ جديّةٍ، عندما عَلمت صدق نيَّته وضعتْ له شرطاً أن تعيش حياةً مَلكيّةً.

عاشا بضعَةَ أشهرٍ ملكاً وملكةً ولا في القصصَِ الخياليّة؛ وفَّى الشرطَ وكانت ملكةُ النساءِ بقلبه، فوضعته تاجاً على رأسها مُرصّعاً بصفاتِ الفارسِ الأخلاقيّةِ.

فَشاء الله أن تُصابَ الفتاةُ بنزلةٍ صحيّةٍ؛ ورمٌ في رأسها بالمنطقةِ الدماغيّةِ، كانت فتاةً عنيدةَ الطباعِ لم توافقٰ على إجراءِ العمليّةِ الطبيّةِ.
فجالَ فارسُها غضباً ونادى مزمجراً لا داعٍ لتقديمِ مَوادي الفصليّةِ، لا أحلامَ تُبنى وحبيبةُ قلبي في الوعكةِ المرضيّة !

خوفاً عليه وعلى أحلامه المستقبليةِ خَضعتْ لكل شيء وقالت: سأفعل ما يُمليه عليّ قلبكَ بشرطِ تقديمِ امتحاناتِ الكليّةِ.

قضى يومه داعياً وخائفاً يطمئنُّ عليها بالمكالماتِ الهاتفيّةِ، داعياً اللهَ أن يخففَ عليها هذه النزلةَ القويّةَ، لم يمض شهرٌ على ذلك إلا واجهتهُم المشاكلُ العائليّةُ والخياناتُ الصديقيّة، لم يشعروا من أين تأتي الصفعاتُ القويّةُ، رمالُ الحقدِ والحسدِ أملت النفوس البشريّة، والمُشاحناتُ العائليةُ استطاعت تخفيف الطلباتِ الغاليةِ المهريّةِ.

مَضتِ السنونُ على ذلك فقرّرَ الفارسُ تسليم عِدةَ الحبِّ والانسحاب من المعركةِ الغَراميّةِ تاركاً قَلبَه مُأرجحاً بين الدولتينِ ليرضيَ العاداتِ والتقاليدَ العائليّةَ، والفتاةُ عادتْ لحياتها اليوميّةِ ولكنّها أصبحت تُلقي أمواجَ أبياتٍ شعريةٍ لتخففَ نارَ الشوقِ بليالي السحرِ القمريّةَ.

''_ يا داخلاً حَرمَ قلبي أما

علمت قَلبي طاهراً نَقيّــاً

"_دخلته محارباً عنوةً ولو

أصبح لديكَ مَرهوناً سَبيّاً

"_أين العهد الذي عاهدتني

به أم رجوعكَ أمراً مقضيّاً

"_هذا الحب الذي به وعدتني

أين كلامك ووعودك الخرافيّةَ

أصْبح لها عنوانَ الأسى رغمَ الحب الذي بذاكرتها لم يُنتسَ؛ تَصحى على كلامهِ المحفوظِ بذاكرةِ هاتفها صباحاً وعلى صورةِ ملاكٍ، غيّر نظرتها بأشباهِ الرجالِ، وقَلبَ حياتها لِجنّةِ أحلامٍ، كان الدفء بعواصفِ البردِ وليالي الشتاءِ، كان الفرح بساعاتِ الحزنِ والعناء، فبوجوده لم تعرف حُزناً ولا جفاءً، بحبه لها غارت منها جميعُ النساء وحصنتْ قلبيهما نجوم السماءِ، فارسٌ سيفه المسلول عيناها، وحبها درعه الواقي من خناجرِ الخيانةِ، يعلمان أن من المستحيلِ أن يجمعهما كوخٌ صغيرٌ يأوي حُبهما من الهجرِ، خيطٌ رفيع يربطُ قلبينِ متيمينِ حاربهما القدرُ وأقسمتِ الدنيا أن تفرقَ بينهما مهما كان الثمنُ غالياً.

"_ آهٍ على قلبٍ عاش بِهواك

مُتيماً والآن بِفِراقك يحتضرُ

"_ حبٌ عشت به ملكة ولم

يبق له بحياتي خيطٌ ولا أثرُ

"_حضن كلماتِك سحرٌ وهو

به غرد الطيرُ ونطقَ الحجرُ

"_ لم تكتملْ قصة حُبنا ولكن

بحديثها العشاقُ منها تَعتبـــرُ

"_يا قاضيَ الحبِّ كسّر قيودَ

الهجر فبحضوره لا زَهرٌ ولا بشرُ

"_ياقاضيَ الحب أطلق سَراحنا

فنيرانُ الشوقِ في أرواحِنا تستعرُ


زهراء الخليل
 ‏ ‏ 

إرسال تعليق

0 تعليقات