لكلٍّ منا رغبة في تأسيس حياة متكاملة اجتماعيَّاً، واقتصاديَّاً، تخلو من المتاعب، والمنغّصات، وكانت هذه رغبة الفيلسوف "أفلاطون" أيضاً، لكنَّ رغبته شملت مدينته أجمعها، وقرر أن يصنع مدينةً أساسها الأخلاق وعمادها المجتمع المثالي.
وهنا كانت المدينة الفاضلة والتي أطلق عليها أفلاطون اسم "يوتوبيا."
تحدَّث أفلاطون في كتابه " الجمهوريَّة" عن المدينة الفاضلة (يوتوبيا)، إذ كان يعيش في أثينا عاصمة روما، التي تحوي على أول نظام ديموقراطي في العالم، بالإضافة إلى حريَّة فكريَّة مطلقة، هذا ما أدى إلى إعطاء اسم "العصر الذهبي" لهذا العصر، كونه قد حوى أهم الفلاسفة والشعراء والفنانين.
حدث هذا كله قبل الحرب الشيقة " Peloponnesian War،" بين أثينا و أسبارتا؛ التي انتهت بفوز أسبارتا، انتهت أيام العصر الذهبي بعد هذه الحرب، وكان من نتائجها إعدام الفيلسوف المعروف "سقراط"، حيث زعم حكام أسبارتا أنَّ ديموقراطيته وحريَّته الفكريَّة كانتا أهم الأسباب في إعدامه.
بعد هذه الحادثة توصَّل سقراط إلى أنَّ الشعب ليس دائماً على حق وأن الديموقراطية ليست كما اعتقد سقراط!
أفلاطون الذي كان يعتقد بأنَّ أهم صفة في أيَّ مجتمع مثالي هي "العدل"، لكن تعريفه للعدل اختلف عن التعاريف السابقة له، حيث عرَّفه بأنَّه: (وضع الشخص المناسب في المكان المناسب)، وفي حال تحقق العدل من منظوره في مدينته، ستتحول إلى المدينة الفاضلة (يوتوبيا).
قام أفلاطون بتقسيم الشعب ضِمن مدينته إلى ثلاث طبقات، الطبقة الأولى هي طبقة الفلاسفة الَّذين يحكمون، تليها طبقة الجنود، تكون وظيفتهم حماية المدينة، أخيراً طبقة العوام وهم العمَّال في الزراعة و الحرف.
ولكي يتقبل النَّاس هذا التقسيم، قرَّر أفلاطون أن يملي عليهم "كذبة بيضاء" وبرَّر لنفسه هذا الفعل بأنه سيوصلهم إلى المجتمع المثالي الذي لا طالما حلموا به، كانت الكذبة أنَّ كلَّ شخص في هذه المدينة قد ولد بمعدن خاص به، فمعدن طبقة الفلاسفة هو الذهب، أمَّا معدن الجنود فهو الفضَّة، أخيراً معدن العوام هو النحاس، وكل شخص يورث ابنه معدنه الخاص، فمن كان معدنه من ذهب فيورث ابنه معدنه الذهبي و هكذا...، ولكي يضمن أفلاطون بقاء كل فرد من أفراد مدينته ضمن الطبقة التي وِلد فيها كما زعم هو!!أعطى لكل طبقة تعليمًا خاصًّا بها، فتعليم طبقة الحكَّام يختلف عن تعليم طبقة العوام وعن تعليم طبقة
3 / 5
الجنود، و كان أفضلهم لطبقة الفلاسفة والحكَّام، بهذا التصرف تأكًّد أفلاطون بأنَّ الجيل الجديد سيتعلَّم تعليماً يؤهله للعمل في طبقته التي خُلِقَ ليعيشها كما أكَّد لهم أفلاطون!!
حاول أفلاطون بشتَّى الطرق منع فضح كذبته، ففرض رقابةً خاصة على مصادر الثقافة، ومنع قراءة كتب ككتب الإلياذة والأوديسا، التي كانت من أهم الكتب الإغريقيَّة الثقافيَّة آنذاك، إضافة لمنعه الأغاني، والمسرحيات، معللاً ذلك بأنها تعلِّم الكذب والتمثيل وتحريف الواقع.
لم يكتفِ أفلاطون بهذا الحدّ، حيث قام بفرض رقابة على الزواج، فانتقى الأشخاص أصحاب الصفات العقليَّة والجسديَّة المميَّزة وسمح لهم بإنجاب الأولاد أكثر من غيرهم، قام أيضاً بإلغاء الملكيَّة الخاصة، فلا أحد يملك شيئاً خاص به، مجتمع مشترك بكل ما فيه، كان الفرق الوحيد بين طبقات مجتمعه الثلاث هو العمل.
يتبع.....
آيه الخطيب
مجلة أزرق - العدد الثاني عشر
المصادر:
* ف.أفلاطون: الجمهوريَّة، ٢٠٠٩، بيروت، الأهليَّة للنشر والتوزيع، ( ط:١)
* د. عبد الواحد، علي: المدينة الفاضلة للفارابي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة
* limaza.com
* https://yout.be/bkRPdt6xsEQ
0 تعليقات