دعوني أنا ودميتي وأعيد خاتم الزواج



القرن الواحد والعشرون ولا زلتُ لا أصدق أن زواج القاصرات ما زال يحدث، بل وأصبح ظاهرة مجتمعية عربية مُتفشية تزداد يوماً تلو الآخر، وتزداد معها نسب الطلاق التي باتت أعلى من معدلاتها.
فقد سُجل في تاريخ المجتمع العربي حالات طلاق لقاصرات تجاوزت الحد المعقول، حتى أن النسب لا تثبت فهي تتغير يومياً.
ومن الجدير بالذكر أن معظم زواج القاصرات يكون قسراً وليس في حالة رضا وهذا يشكل خوفاً حقيقياً، وحتى إن كان في حالة رضا فهي طفلة لا تُدرك حقاً ما وراء هذا المُسمى! فقط تُغريها الكلمات اللعينة من حولها، تُغريها الطقوس الكاذبة كشهر العسل على جُزر المالديف، ومنزل واسع مليء بالخدم والحشم وأموال لا تُعد ولا تحصى! أية كذبة هذه يا تُرى؟!
زواج القاصرة جريمة يجب أن يُعاقب عليها القانون بكل ما أوتي من صلاحيات العقاب، مهما تعددت الأسباب فلا يمكن تبرير زواج فتاة ما زالت في الرابعة عشر من عمرها، الزواج بهذه الحالات يُعد قتلاً معنوياً يتفشّى على أثره مجتمع فاسد.
أن تُزوَّج فتاة لم تتجاوز الطفولة وبراءتها هو جريمة كاملة ومن المُحزن أن لا زلنا نواجه مُعتقدات وأفكار رجعية تعشّش في عقول الجهلاء وتجعل منهم خطراً على المجتمع، وأبرز معتقداتهم أن الفتاة البالغ أصبحت كبيرة! ويطلب منها الالتحاق بالحياة الزوجية وتحمّل المسؤولية.
لكنهم لا يدركون أن الأمر مُرعب جداً، وأنه ظالم إلى حدٍّ كبيرٍ.
لا يعلمون أن وراء الرداء الأبيض أحلام تنهدم، وروحٌ طفولية تتعذب خوفاً من القادم.
لا يعلمون أن كلمة زواج تحتاج أموراً كثيرة بعيدة كل البعد عن فتاة كونها بالغ.
بحق السماء أين الإنجاز في استمرار التناسل الناجم عن زواج أطفال ما زالوا يجهلون طريق العودة إلى منازلهم؟!
زواج القاصرات يُخلّف وراءه كوارث عديدة ابتداءً من نفسية الفتاة التي ستتحطّم مع مرور الأيام، وصولاً بها إلى ذات المحكمة التي تزوّجت فيها لتنهي هذه المرة مأساة حياةٍ هي حقاً لا تُدرك منها شيئاً سِوى أنها أُجبرت وخُدعت لتكون بمكان لا تنتمي إليه، ومسؤوليات أعمق من عفوية روحها.
إنها طفلة يا مجتمع يا أب ويا أم.
إنها ليست عالة وليست عاراً وأن تَبلُغ لا يعني أن تتزوج على الفور.
أمامها الكثير من التجارب لتصل إلى هذا القرار، القاصر تحتاج لحنان العائلة، وحب الأصدقاء، تحتاج إلى أن تنضج بتجارب الحياة المختلفة، تحتاج ورقة وقلماً تصنع لنفسها من خلالهما سلاحاً متيناً يحميها عندما لا تجد من تحتمي به، تحتاج أن ترقص وتلعب مع الأطفال، تحتاج إلى دُمية لتلعب بها.
إنها لا تحتاج إلى زوجٍ طُفولي، حالُه كحالها يزيد من الطين بلتهُ، ولا زوجٍ كبير كحال والدها تشعر معه بمشاعر غريبة، لا تحتاج إلى أن تحمل بأحشائها طفلاً وتُعاني من آلام الولادة والرضاعة؛ لأنها ما زالت طفلة، والأطفال أمثالها يلعبون مع أقرانهم، يرقصون ويتناولون الحلويات ويذرفون الدموع إذ لم يحصلوا على المزيد من قطع الحلوى، ويعودون بعد يومٍ مُتعب بسعادة إلى فراشهم الدافئ حيثُ هناك أحلامهم الوردية وحياة مليئة بالألوان المختلفة، ألوان السعادة لا ألوان الحزن.
أعيدوا لها دُميتها التي انتُشلت منها بانعدام الإنسانية أولاً، وصولاً إلى انعدام الرحمة أبعدوا عقولكم المتحجِّرة عنها وعن كل القاصرات، وأعيدوا خاتم الزواج حيث مكانه، حيث الكبار المستعدّين له، واتركوا القاصرات ينعمنَ بطفولتِهِن الهانئة البعيدة كُل البعد عن أبسط معاني الزواج.

نور الجرادات
مجلة أزرق - العدد الثاني عشر 

إرسال تعليق

0 تعليقات