بين الواقع والخيال


اليَوْمَ، وَبَعدَ كُلٍّ هذا تَعَود تِلكَ الفَتاةَ علَى عَالَمِهَا الصَغير تَجْلِسُ مُحَايَدَةً لِلحَائِطِ مع الكثِيرِ مِنَ المُوسِيقَى الصَّاخِبَةِ لَعَلَّهَا تُسَاعِدُ في الاِبْتِعَادِ عَنْ تِلْكَ الحَيَاةِ.
تَعُودُ إِلَى نُقْطَةِ الصِّفرِ، وَمَعَ كل نوتة موسيقيَّة تُمْطِرُ عَيْنَياهَا دَمْعَةً تِلْوَ الأُخْرَى،
ثُمَّ تَعودُ لِتُفَكِّرَ بِكلامِ المُغَنِّيَةِ وَهِيَ تُنَادِ بِالمُسَاعَدَةِ، تُشَارِكُ المُغَنِّيَةُ فِي ذَلِكَ الخِطَابِ.

جُلُّ مَا تَحْتَاجُهُ مُسَاعَدَةٌ صَغِيرَةٌ فقَطْ، لِتُنْقَذَ نَفْسهَا مِنْ ذَلِكَ الاِنْحِدَار، إنَّهَا تَهْبِطُ مَعَ كْلِّ نُوتَةٍ مُوسِيقِيَّةٍ وَتَعُودُ لِتُصَرخَ  (Help)

 تَتَوَقَّفُ الأُغْنِيةُ، فتُعِيدَ تَشْغِيلَهَا مُسْرِعَةً قَبْلَ سَمَاعِ أَيِّ صَوْتٍ مِنْ ذَلِكَ الوَاقِعِ،
كَأَنَّهُ مُسْتَنْقَعٌ كَبِيرٌ تَخْشَى الوُقُوعَ بِهِ لطالَمَا كَانَ اِنْحِيَازُهَا لِعَالِمِ الخَيَالِ، الكَثِيرِ مِنْ الأَمِيرَاتِ وَأُمْنِيَّاتٌ تَتَحَقَّقُ هُنَا وَهُنَاكَ، أَطْفَالٌ، وقَوْسُ قُزَحٍ، وَغَفْوَةٌ عَلَى غَيْمِة قَطِّنِية مَعَ تغريدٍ العَصَافِيرُ، وبُيُوتٌ مِنْ الحَلْوَى وَالكَثِيرِ مِنْ الحُبِّ وَالسَّلَامِ وَالسَّعَادَةِ مُوَزَّعَةُ عَلى الجَمِيعِ بِالتَّسَاوِي.
لَيْسَ هُنَاكَ وُجُودٌ لِلحُزْنِ وَلَا للخذلان، حَتَّى الحُرُوبُ هناك قَنَابِل مِنْ الوُرُودِ وَالأَلْوَانِ الزَّاهِيَةُ لإعطاء حُلَّةٍ جَدِيدَةٍ للمدينة أمَّا المُوسِيقَى فلا تَتَكَلَّمُ إلَّا عَنْ الأَمَلِ وَالقُوَّةِ وَالتَّحْفِيزِ.
تُعزَف بِحُبٍّ خَالِصٍ نُوتَةَ نُوتَة.
تَوَقِفُهَا المُوسيقى وَتُعِيدُهَا تِلْكَ الكَلِمَاتُ إِلَى الوَاقِعِ بَعِيدًا عَنْ مَدِينَتِهَا.

وتلك الكَلِمَةُ تَعُودُ لِتَطَرُقٍ بِابَ القَلْبِ مُنَادَيةً  (help) تذكِّرها أَنَّهَا بَعِيدَةٌ كُلُّ البُعْدِ عَنْ عَالَمِهَا الصَّغِيرُ، وَعَنْ تِلْكَ الغَيْمَةِ وَقَوْسِ قُزَح وَالأَطْفَالِ وَالحُبِّ، أَنَّهَا هُنَا تَعِيشُ فِي هَذَا العَالَمِ الرَّمَادِي بِلَا أَلْوَانٍ أو مَعْنًى أو سَلَامٍ، وَتِلْكَ الأَحْلَامُ لَمْ يَعُدْ لَهَا فَائِدَةً إِنْ كَانَ العَالِمَ لَا يَتَّسِعُ لَهَا.

 تُدَاهِمُ أُخْتهَا كُلٍّ هَذَا مُسْرِعَةً، وَيَتَلَاشَى كُلُّ شَيْءٍ فِي ثَانِيَةٍ.
تَنْظُرُ لِأُخْتِهَا وَتَبْتَسِمُ دُونَ أَدنى فِكْرَةٍ عَنْ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ، تَنْظُرُ لَهَا أُخْتُهَا بِغَرَابَةٍ قَائِلَةٌ (مَا بِكِ) وَتَخَرُج.

حِينِهَا شَعْرَت بِكَمِّيَّةِ ثِقَلِ وَجْهِهَا، أَجَلْ عِنْدَمَا نُخَسرُ أَحْلَامِنَا وَفَرْحَةَ قُلُوبِنَا، تَثقُلُ وُجُوهُنَا وَهَذَا سَببُ غيابِ قُدْرَتِنَا عَلَى الاِبْتِسَامِ.
حَتَّى وَجْنَتَاهَا الوَرْدِيَّتَانِ أَصْبَحُوا شَاحِبَتَانِ جِدًّا بِلَا أَيِّ لَوْنٍ
.

 تَعَودُ إِلَى عَالَمِهَا وتتذكَّر أَنَّهَا عَلَى قرَابَةٍ مِنْ الوُصُولِ إِلَى القَاعِ، لَكِنَّهَا تَتَوَقَّفُ هُنَا عَنْ طَلَبِ المُسَاعَدَةِ. لِأَنَّهَا تَيَقَّنَت تمامًا أَن لَا جَدْوَى مِنْ الإنْقَاذِ وَأَكْمَلَتْ ذَلِكَ الهُبُوطَ مَعَ أَصْوَاتِ المُوسِيقَى بِكُلِّ اِتِّزَانٍ وَهُدُوءٍ، نُوتَة نُوتَة.


بقلم: راما فاضل


إرسال تعليق

0 تعليقات