ليتني لم أحلم ..



في الطريق أنا، التفت يميناً و يساراً باحثة عن شخصٍ، شخصٌ لأسأله، شخصٌ لأقول له أين أنا و ما وضعني في تلك البقعة من الأرض التي لم يبدُ منها غير آثار شخصان مرَّا منها و رحلا، فأشعر بدفئهما.

و لكني الآن أرى امرأة لم يظهر من وجهها شيء بسبب شعرها الذهبي الذي يخفي تفاصيل وجهها و يخبئها و لا أرى منها غير شعرها و ظهرها، فأركض باتجاهها، فأناديها و لكنها لم تستمع لي فباتت محاولتي بالفشل فأصبحت أحثُّ جسدي على الركض أسرع، و لكني أحس و كأن جسدي قد ثقُلَ و كأن هموم الدنيا و ثقلها وُضعت على كتفيّ، فأصبحت الأرض تسحبني إليها لأقع و من ثم حركتي تباطأت تلقائياً و بدأت الأرض تحت قدميَّ بالحركة فأصبحت بدلاً من أن أقترب من تلك الامرأة أصبحت أبتعد وأبتعد ، فأصرخ بملء صوتي و أصرخ حتى التفت باتجاهي بعدما بُحَّ صوتي فتحولت تلك الامرأة من امرأة مجهولة الى امرأة أعلم من تكون.
وها أنا قد انسرق النوم من عيني من بعد ذلك الحلم، أفكر فيما حدث في ما بيننا في البداية و في وسطها إلى ما انتهى بها فأنظر إلى سقف غرفتي فأعرض عليها فيلمنا الذي كان عبارة من مواسم متقطعة بعيدة المواسم و لكن قصير المدة، فيبدأ الفيلم، و لم يكن في يدي أي بوشار لألتهمه على عرض مُسلٍّ أو قطعة شوكولا لآكلها على فيلم حزين يُبكي فيديّ خاليتين، تظهر الأرقام علناً على بدء الفيلم ٣ ، ٢ ،١ و تطفَأ الأنوار ..
فأرى نفسي و أراك شخصان مختلفان و لكن متحابان شخصان كان الحب يجمعهما أرى الحب حولهما و يحيطهما بيديه و يغذيهما، كنت أراك في الفيلم بنظرة لم أنظرها لك من قبل فأتطلع على الفيلم و أفهم نقاط لم يتطرأ عقلي من قبل إليها و أرى اندفاعاً مني، أرى أموراً مظلمة تخطَّيناها فأمسكنا أيدي بعضنا و قرَّرنا أن نبني طريقنا سويةً فنسير به ومن ثم أرى عواصف تحل بطريقنا فيبعد كل منا عن الآخر و من ثم يحل الخريف بيننا و تسقط اوراقنا الصفراء مُحمللة بمشاكلنا فكل ورقة قد كانت تحمل مشكلة من المشاكل، حتى سقط مطرا الخير علينا فسقى تربتنا الجافة فجمعنا من جديد فقربنا و تشابكت جذورنا بجذور بعضنا حتى أمنتُ أن الجذور قد تعقدت ببعضها و لن تتفكك بأي فصل سوف يمر علينا فهنا هبّ الرياح و بعثر الأوراق الصفراء التي تساقطت مُحملة بمشاكلنا و ها هي سقطت فوقنا من جديد تلك الأوراق فخالطت بأوراقنا الخضراء النقية حتى جفت تربتنا و تشققت و وضعت أملي بالشتاء و أمطاره فكنت كثيرة الطمع و ما كان بالشتاء إلا فتح ابواب سمائه و هطلت أمطاره و أول قطرة قد بللت التربة أرجعتنا إلى بعض و تشابكت جذورنا أكثر و أكثر و ترابطت و ما كان بي إلا أنني قد نسيت للفراق طريق لنا و نسيت فصل الصيف و جفاءه و ها قد أصابنا الجفاء و أصابنا الغرور و التمسك بالآراء حتى أصبح البعد و الفراق طريقنا الوحيد الذي سنسلكه لكنك لم تنتظر أن نجتاز الفترة سوية، فأراك الآن تاركاً يدي في منتصف الطريق مُخلفاً كل الذكريات الموجعة التي تجعل مني شخصاً كئيباً.
و ينتهي الفيلم و تُطفأ الأضواء، لأرى من خلال أضواء الشارع على مرآة غرفتي ظلاً أسوداً شاحبٌ يبكي و ينحبُ فاقترب منه رويداً رويداً خائفةٌ من النتيجة، لأصل إلى المرآة و أتلمسها باحثة عن ذلك الظل لأرى الصورة توضح شيئاً فشيئاً في عقلي، إن ذلك الظل الأسود الشاحب الباكي لم يكن سوى أنا و لم تكن تلك الامرأة سوى شخصاً تركتني من أجلها فهنيئاً لك.

مجلة أزرق | العدد الثالث عشر 
زينة حلواني 

إرسال تعليق

0 تعليقات