استيقظت مع شروق الشمس ، أيقظت ابنتها واتجهتا إلى الحقل لتفقد المحصول. قامتا بأعمال الحقل على أكمل وجه، ثم ذهبتا إلى المرعى لرعي الماشية. حلبت الأم الإبل والأبقار بينما حلبت البنت الأغنام وجمعت بيض الدجاج. قامت الأم بغلي الحليب و ملئه في زجاجات معقمة لتقوم ببيعها في المدينة؛ فهو مصدر رزقهم الأول، ثم يأتي محصول العنب والتفاح و التين. فهو موسمي أما العسل فلا يزال مشروعاُ صغيراُ لا يصلح للمتاجرة بعد.
اعتادت الأم أن تخرج لبيع الحليب بعد الظهيرة، لكن قبل ذلك تنتظر قدوم سيدة شابة لتأخذ بعض حليب الإبل والعسل لزوجها المريض. في ذلك اليوم تأخرت هذه السيدة عن الموعد المعتاد، مما خلق حالة توتر لدى الأم التي بقيت تنتظرها بفارغ الصبر. أثار توتر الأم فضول ابنتها التي لم تتردد في السؤال: أمي، لما انت قلقة؟ نحن في الريف ومن الطبيعي أن تتأخر إن لم تجد ما يقلها.
الأم: عزيزتي، لا يمكن لها أن تتأخر مهما حدث. هي بحاجة لهذا الحليب.
البنت: أمي هناك ما يحيرني، لم نحن نعطي حليب الإبل والعسل للسيدة، بينما يمكننا بيعه؟
الأم: هي تعيل زوجها المريض، وحليب الإبل والعسل يعتبران من أفضل العلاجات، وكلاهما غالِ.
البنت: هذا ما أقوله، حليب الأبل غالِ جداُ، نحن أيضاُ نعيل أنفسنا، رحل أبي عنّا وترك لنا هذه الأرض لنعيش من خيرها، ونحن لا نملك سوى ناقتين تدران لنا الحليب ، و حليب الأبل مطلوبً في السوق بكثرة ؛ نحن أولى به .
الأم : إذا منعت عنها الحليب ، من سيعطيها؟!
البنت : هو ليس واجباٌ محتماٌ علينا ؛ ستجد آخرين يعطونها .
الأم : صغيرتي ، حين رزقنا الله هذا الرزق، أرسل لنا تلك السيدة لنساعدها ... كيف لنا أن نصدها ! هل تريدين أن تحرمينا و والدك من دعاء قلب مكسور حزين ؟!
الابنة: لكن يا أمي أنت لم تبيعي الحليب بعد، تأخر الوقت .
الأم (وقد علا وجهها الغضب ) : هذا يكفي. لا أريد نقاشاً ... سيعوضنا الله عن ثمن بضاعة اليوم .
تسربت ضحكات خجولة من الفتاة محاولة كتمانها ، فلاحظت الأم ذلك فقالت مؤنبة : لم كل هذا الضحك ؟ موضوعنا جاد
توقفت البنت عن الضحك وردت قائلة : أنا آسفة ، لكن هل تذكرين؟ قبل وفاة أبي حين كنا نتهامس في حظيرة البقر ؟
الأم : أجل أذكر ... كنتما تضحكان مني حينها ، لطالما سخر مني والدك وشبهني بالوعاء .
الابنة : في الواقع ، لقد كان يحدثني عن وجه الشبه . قال لي : " أمك يا ابنتي تشبه وعاء الحليب هذا ، ترينها صلبة يصعب تحطيمها ، ومن الداخل تملك ألين و أنقى قلب ، أبيض كهذا الحليب، لطالما أخبرتها بذلك ، لكنها كانت تظنني أنعتها بالسمينة فكانت تغضب " وقال أيضا "هل أدلك على وصفة أستعملها مع أمك حين تشعر بالقلق؟ عليك فقط أن تظهري لها غمامة سوداء تحيط بشغاف قلبك ؛ عندها ستلقي بالكون كله ورائها ، لتزيل تلك الغمامة " . و الوصفة نجحت ببراعة ؛ ها أنت نسيت قلقك حول تأخر السيدة ... وها هي ذا تظهر أعلى التل هناك.
مسحت الأم دموعها التي انسابت لذكرى زوجها الراحل، واستعدت لاستقبال السيدة، التي بدورها شكرت الأم على مجهودها، فزوجها تماثل للشفاء، وسيعود لعمله قريبا. مرت عدة أيام قبل أن يأتي تاجر الى الحقل ليشتري الحليب
ما عادت تضطر للنزول الى المدينة ، طورت مشروع العسل حتى صار يباع أيضا. لكنها لم تفكر مرة أن التاجر الذي يشتري الحليب و العسل كل يوم ، كان قد ارتوى منهما قبل أي شخص آخر .
مسحت الأم دموعها التي انسابت لذكرى زوجها الراحل، واستعدت لاستقبال السيدة، التي بدورها شكرت الأم على مجهودها، فزوجها تماثل للشفاء، وسيعود لعمله قريبا. مرت عدة أيام قبل أن يأتي تاجر الى الحقل ليشتري الحليب
ما عادت تضطر للنزول الى المدينة ، طورت مشروع العسل حتى صار يباع أيضا. لكنها لم تفكر مرة أن التاجر الذي يشتري الحليب و العسل كل يوم ، كان قد ارتوى منهما قبل أي شخص آخر .
لبنى الروسان
مجلة أزرق - العدد 14
0 تعليقات