" بَوْحٌ ناعِمٌ لِسَمَا "
التاريخ: 5/1/2020
إلى: سَمَا
إلى روحي التي تقبعُ في جسدٍ آخر، كيف الحال، ما الأخبار بعد السلامِ والتحية!
مضى عامٌ رُبما على آخرِ مرسالٍ لكِ ومضت أعوامٌ على رؤيتك! وعسى عمّا قريب أراكِ، فقد قيلَ أن حال البلاد تحسّن بإذن الله، ولا سامحَ اللهُ من أبعدَ روحاً عن روح وفرَّقَ بينهما!
تعلمينَ أنَّ تلك الذكرياتِ التي تجمعُنا لازلتُ أحتفظُ فيها بركنٍ خاص في قلبي، ادَّخرتُها لأيّام الخَوَاءِ والخيباتِ مُسكِّناً لآلامِ الرّوح، كأقراصِ دواءٍ بعد كلّ خيبة، ذكرى جميلة واحدة مع كوبٍ من الأملِ باللقاءِ ورؤيتك ثانيةً وبإذنِ الله الشفاء! أعان الله امرئٍ يحيا على الذكرياتِ والأملِ باللقاء!
هُنا البلادُ جميلةٌ، والطبيعةُ ساحرةٌ، والمناظرُ رائعةٌ، والشوارعُ وتصاميمُ الأبنيةِ وكلّ شيءٍ هُنا أخّاذ! لكن ذاكَ الذي يحتلُّ الطَّرفَ الأيسرَ من صدري لم يقتنعْ بذلكَ، ولا يزالُ يرى الجمالَ في تلكَ الحاراتِ الضيقةِ القديمةِ، لا يزالُ يَحِنُّ إلى رائحةِ الياسمينِ المعشَّقَةِ بأبوابِ البيوتِ، حَمَامِ المرجةِ والأُمَوي، ازدحامِ سوقِ الحميدية و"بوظة بكداش"، إن قلبيَ متعطشٌ لماءِ بَرَدَى يا سَمَا! إنّي أراهُ ظمآنَ منذُ سنينَ لم يرويهِ ماءُ العالمينَ والأراضينَ أجمعْ! جائعٌ لِخُبزِ الشَّامِ وخيرِها لم يشبعْ منذُ سنين!
بارِدٌ قلبي منذُ فِراقِ الشَّامِ لم يتغمَّدْهُ دفءٌ لو اجتمعَ دِفءُ العالمينَ أجمعْ!
أتعلمين! حتَّى سماء الشَّامِ أجمل وشمسها أدفء رُغم أن الشَّمسَ شمسٌ والسماءَ واحدةٌ! ألا تفتقِدُنا أراضي وشوارع الشَّامِ كما نفتقِدُها ونفتقد شعورَ الانتماءِ؟ باللهِ أخبريني كيفَ غَدَتِ الشَّامُ بعد فِراقِنا؟
هل ذبُلت كما ذبِلنا بعدَ أن قُطِفنا مِنها؟
هل ضَعُفَت كما ضَعِفْنا بعد فِراقِ أحضانِها؟
هل تَرانا بأحلامِها كما نَراها؟
هل تبكي عودَتنا كما نبكي الارتماءَ في أحضانِها؟
حقّاً هل ضاقت بنا واتَّسعت لغيرِنا؟!
ليتَها تعلمُ أنَّ من غادرها هي أجسادُنا وإنَّما الارواحُ ما زالت في حرَمِ أرضِها تطوفُ! وعسى العودةُ قريبةٌ إن شاء الله وعسى اللقاءٌ أبديٌ لا فِراقَ بعدهُ ولا وداع! اشتقتُكِ واشتقتُ الشَّامَ حتَّى شقَّ على روحي البقاءَ معي فنازعتني إليكما! روحي في كَنَفِكُما فهلّا رَعيتُماها حتَّى أعودَ ونلتقي وينتهي بعدها الفراق؟!
سلامٌ لكِ أيَّتُها الطيبة الغالية وألفُ سلامٍ لضحكاتِكِ الجميلةِ التي أفتقدُها وخبَّأتُ بعضاً مِنها في قلبي أواجهُ بهِ ظُلُماتِ الوِحدة ! ودُمتِ بألفِ خيرٍ وسعادة، ودُمتِ رفيقةَ القلبِ وأنيسته!
المخلصة لكِ ثريا
ثريا سرّاج
1 تعليقات
سلاسةٌ في اللفظ، وجمالٌ في المعنى، واتزان في المبنى، ومشاعر لا تخفى، أعجبني حقًّا :)
ردحذف