حوار مع حنظلة


حوارٌ زمانهُ هو وقتنا الذي لا أهميةَ له ، ذاكَ الذي نذرفه على أتفه الأشياء ، تاركين بلادنا المدمرة تقف خلفنا ، تنده لنا ، لكن ضجيج الحقد يمنعنا من أن نسمع النداء ونغيثها.





أما عن مكانها فهو عبارة عن سفر لا متناهي بين عالم الكاريكاتور وعالمنا الأبله!





_ حنظلة يا حنظلة.





_ ها أنا هنا، ما بالك تبكين يا روان؟.





_ أستتركنا حقا؟! أستتخلى عن عالم الكاريكاتور البريء لتسافر إلى ذاك العالم؟! ذاك الذي لم يكبر يومًا إلا وكان الحقد يتشعب بجذوره.





_ لا يا روان! الأمر لم يصل إلى الحد الذي تتصورينه، إنَّ عالم العرب كان عالما لا يوصف، جذوره الوفاء، وطبعه التعاون، لم يكن عالمهم يوما إلا خيرًا، ولم يتلبسه إلا كل الخير.





ولكن يا روان إنها فترة وجيزة، قد ملَّ فيها  العرب أنفسهم، فبدأوا يتغافلون من شدة اليأس، إنهم بحاجة لدافع بسيط، حتى يعودوا للطبع الذي كانوا عليه.





_ وهل ستكشف لهم عن هويتك يا حنظلة.





_ لست أدري بعد عزيزتي.





_ كيف يمكن ألّا تعرف؟





_ إنَّ رئيس عالمنا قد أمهلني مدة وهي تنتهي في الساعة الثانية عشر، وقد أعطاني ثلاث مساعدات، أي أنني سأتلبس بشخصيات عديدة ضعيفة، أو لربما بشخصية واحدة ولكن بمواقف مختلفة، ما علي إلا أن أطلب المساعدة، فإن احتواني أي منزل من منازل العرب فإنني سأبقى هناك وبعد فترة سأكشف عن هويتي وسأدع روحي الطيبة المناضلة تلامس أرواحهم،أي اني بحاجة لدوافع بسيطة كي أبقى عندهم.





_ ولكن ماذا سيحصل إن لم تجد تلك الدوافع؟





*عندها سيسحبني الرئيس مرة أخرى إلى عالمنا، ولن أعود إليهم حتى تعود أرواحهم نظيفة كما كانت من قبل، الكرامة يا روان، الكرامة ولا شيء غيرها.





_ إذًا هاقد وصلنا بوابة الخروج، كان بودي أن أدعو لك أن تعود بسرعة يا حنظلة ولكن أظن أن العالم العربي هو الأشدُّ حاجة لتواجدك فيه، رافقتك السلامة.





_ حنظلة، حنظلة.





_ نعم سيدي إنني منصت.





_ فلتتأهب للرحيل جيدًا فما هي إلا ثوانٍ وجيزة وستكون في العالم الآخر.





_ إنني على أتم الاستعداد  سيدي.





كان الطريق غارقاً في الظلام والسكينة حين وصل حنظلة، أنار الطريق بضوء بسيط كان قد أتى به من عالمه.





والآن قد بدأت المهمة.





_ الوقت ضيّقٌ يا حنظلة، فلتبدأ مباشرة، أي شخصية تريد؟





_ الطفل المشرد ، نعم هذا ما أريده.





_ بالتوفيق إذن عزيزي.





بعد دخول حنظلة لتلك الغابة.





_هل من أحد هنا؟





بدأ حنظلة بالصراخ، هل من أحد هنا؟





اصمت أيها اللعين ، ستخرِّب نجاح عملنا، اغرب من هنا، وإلا كان الموت حليفك،
ولكن، انصت ستخرج من هنا وكأنك أعمى وأبكم ، أنت لم ترَ أحدًا هنا، أفهمت؟!





_ ولك.....





_ قلت لك اغرب ولا تتفوه بكلمة.





خرج حنظلة من الغابة مهرولًا مذعورا خائفًا يبكي.





يا إلهي! من قام بانتزاع قلب هذا الرجل؟! لم ينصت لما أردت قوله حتى!





_ حنظلة أتسمعني؟





_ نعم أيها الرئيس.





كفاك استفساراً الوقت يمضي ، اذهب باتجاه المهمة الثانية.





_ كيف؟





_ فلتفتح الحقيبة المستلقية على ظهرك وستجد بداخلها قارورة من المياه فلتشرب منها وتقرأ ما وضع بجانبها وستكون على أتم  العلم بما عليك فعله.





_ أمرك يا رئيس.





أين أنا؟!!





وسأنعت نفسي بالغبي للمرة الألف شربت الماء ونسيت أن أقرأ، خيرًا خيرًا سأقرأها الآن.





"انظر أمامك وسترى منزلا ، اطلب المساعدة ممن يقطنه وسنرى النتيجة"





_ بسم الله سأطرق.





_من هناك؟





_أنا حنظلة .





_فُتح الباب _.





_من أنت يا حنظلة.





_أنا المشرد  الذي لا مأوى له.





....





أرجوك تمهل ، لا تغلق بابك فورًا يا عماه.





فقط أغثني لليلة واحدة.





وما أدراني بما سأناله من نوائب بسببك!





أتظن أن طفلا بعمري قادرا على افتعال المشاكل؟؟





وما أدراني قد يكون خلفك من هم أكبر منك سنًّا وأفقه منك شرًّا؟





اغرب من هنا، لن تنطلي هذه الخدع على عظيم مثلي، فلتختفي أنت وأمثالك.





_أُغلق الباب_





حنظلة يبكي ويضرب بما أعطاه الله من قوة على الباب، فلنختفي؟





والله قد ظننت بي ظن السوء.





أرجوكم ماذا حل بعالمكم؟!





_هيا يا حنظلة لا تضعف عليك بالمحاولة الأخيرة.





حنظلة وهو يبكي:





_ وما المطلوب؟!





_ إنها مهمة بمجال مفتوح، اعتمد على نفسك في تنفيذها.





_ أمرك يا رئيس.





"يا الله إنني ضعيف وفي أشد الحاجة،  فكن بعوني"





لمح حنظلة عربة تقف في أول الطريق، ركض باتجاهها، وضرب باندفاع على الزجاج خاصتها.





_ يا عم أرجوك أغثني.





_ الرجل ينظر باستغراب، من أنت؟!





_ طفل مشرد لم يرأف أحد بحاله.





_ ابتسم بخبث لم يلحظه حنظلة، وحثه على الصعود.

ركب حنظله في المقعد الخلفي وأعطاه الرجل ماء ليشربه، ولكن حنظلة لم يكن يشعر بالعطش إلا أنَّه متعب لا غير،
 لذا استلقى في عتمة العربة واضعًا قارورة الماء بين يديه، ولكن التغافل هذه المرة كان من نصيب الرجل إذ  فلم يلحظ ما فعله حنظلة، ظنًّا منه بأنه قد شرب ذاك المحلول.





وبدأ يتكلم بتفاخر، لربما لم أنجح في اختطاف ابن السيد قادر ولكن هناك البديل، أظن أن معلمي لن يلحظ ذلك ، يا لسعادتي قد نجوت.





وهنا حنظلة بدأ بالتفكير كيف سينجو من هذه المصيبة؟





وعندما توقفت العربة عن سيرها، نزل الرجل منها متجها الى الداخل، وعندما عاد والبهجة تملأ وجهه تبدلت أساريره فجأة، فهو لم يلحظ حنظلة ؟!





نعم! فإن حنظلة كان قد هرب بتلك اللحظات الوجيزة.





يركض حنظلة في الطريق ولحسن حظه وصل الى بيته، ذاك الذي قد رسم فيه، ابتهج ظنا بأنه سيعثر على من صنعه.





ولكنه صدم عندما قرأ ورقة النعوة معلقة على باب المنزل.





_ أين أنت عزيزي؟!





_ أسمعك سيدي.





_ الوقت ينفد.





انتهت المهمات الثلاث، هناك فرصة وحيدة، اذهب الى من أنشأك.





_ حنظلة يبكي_ وها أنا أمام منزله الآن، ولكنه قد توفي يا رئيس!





_ آسف يا حنظلة، ولكنني مضطر إلى سحبك لعالمنا، ألم ترَ أن العرب لم تعد تهمهم بوادر الخير؟





ولكننا الخير كله، فلتعد إذن.





بدأ الضباب يحيط بصغيرنا، ولم تعد الرؤية واضحة، بدأ يصرخ متألمًا، يبكي و يبكي وينده للقلوب.





فلتستيقظوا!





الشر ينتشر، الخير يموت، السلام يُسحب من أرضكم.





أرجوكم عودوا، عودوا كما كنتم وسأعود إليكم، وسأكشف عن هويتي، وسألامس أرواحكم، وسنعود،





حتماً سنعود، أرضنا ستعود، عالمنا سيعود.





فلتعودوا لذاتكم ولأعود إليكم من جديد.
حنظلة ينده وما من منصت.





رسالةٌ إلى القلوب الغافلة، نداءٌ إلى الأرواح المرهقة.





سلام الخطيب


إرسال تعليق

0 تعليقات