في نهار كانونَ الماطر، كانت تجلس وردة إلى مدفئة غرفتها بجانب النافذة، تنظر إلى المطر.
تلك حال كل العاشقين، يعشقون المطر والنظر الى المطر واستنشاق رائحة المطر، لكنَّه في نظرها مختلف، فصوته وهو يتراقص على الأسطح المختلفة يسحبها في رحلة عميقة في الذاكرة، أغمضت عينيها للحظات فتنبهت لصوت دافئ يناديها:
وردة، وردة، هل أحببتِ اللحن؟
ابتسمت وردة وقالت: إنه رائعٌ جدا، هادئ ومريح.
ابتسم كرم بحب وردَّ قائلاً: أنتِ ذوَّاقة في الموسيقى، ولهذا أحبك.
نظرت إليه معاتبة،
فأردف قائلاً: ما بال هذه النظرة؟ تعلمين أنني أحب الموسيقى، فمن الطبيعي أن أمتدحك بها.
ضحكت وهي تنهض عن العشب الرطب: تستحوذ الموسيقى على تفكيرك بالكامل.
نهض وأمسك بطوق الزهور الذي صنعته، وقال: أنتِ موسيقاي وبكِ أتغنى.
ابتسمت والتقطت الطوق من يده.
قال بغضب: قولي له أي شيء، أنتِ وردتي النَّادرة ولن أسمح لأحدٍ أن يقطفك.
مسحت دموعها بمنديل طُرِّزَ عليه نوطات موسيقية، وقالت: ما باليد حيلة.
سالت دموعها مجددا فأخرج منديلا طُرِّزَ عليه زهور ومسح به دموعها وقال: بيدي كل الحيل.
جذبها لحنٌ أنيق من جانب الحديقة المكسوة بالزهور، اتجهت ناحية الصوت لترى شاباً وسيما يحمل قيثاراً وينسج ألحاناً على مقعدٍ خشبيٍ منعزل. وقفت تراقبه بسعادة وهي تقف خلف شجرة سرو كبيرة، بدا الشاب مندمجاً مع اللحن وكأنه لم يلحظ وجودها، وفجأة توقف عن العزف ونظر إليها وابتسم.
أمي، هناك شابٌ يريد التقدم لخطبتي. هذا ما قالته وردة لأمها وقد كست الحمرة وجنتيها.
فقالت الأم: ما هي وظيفته؟
وردة: عازف قيثار.
نظرت إليها أمها مؤنبة، وقالت: رفضتِ في السابق طبيباً يعمل في أمريكا لتتزوجي من عازف!
وردة: هو فنان مرهف المشاعر، كما أنه يريد السفر لباريس بعد أن نتزوج.
قالت الأم متعجبة: باريس! لماذا؟
وردة: هي حلمي، وهو يريد أن يحقق لي هذا الحلم. كما أنها مدينة الحب يا أمي.
ابتسمت الأم ومسحت شعر ابنتها وقالت: سأحدث والدك.
بخطوات ثابتة اتجه نحوها وهو يحمل بيمينه وردة حمراء جميلة، ويحمل على كتفه قيثاره الثمين، قدم لها الوردة قائلا: أنا كرم، أحب الموسيقى، وأظنك من ستحيي في أعماقي لحن الحب، هل تقبلين أن نبني معا قصر من الألحان؟
ابتسمت وقالت: قصر من الورود الموسيقية.
رفعت رأسها بعد أن دوى صوت انفجار في مكان قريبٍ جدًا لترى مطراً من دمٍ يهطل حولها وهو يحميها بجسده الهزيل ويبتسم.
صرخت بأعلى صوت فأسرعت نحوها أمها واحتضنتها لتهدأ، وقالت: لا بأس يا عزيزتي، لن تري مطراً من الدم مجددا، فنحن في مدينة الحب يا صغيرتي. لابدَّ لهذه الذكريات أن تتلاشى يومًا. تعالي معي، لقد وصلت معلمة الموسيقى.
لبنى روسان
0 تعليقات