نشرة الأخبار في التلفاز أصدرت نبأ جديد عن غرق بلم لتهريب المسافرين في عرض البحر يحمل على متنه خمسين شخصاً واستطاع خفر السواحل بإنقاذ منتصفهم فقط بينما تم فقدان الباقي.
وقطعة خشب في عرض المياه تضيع معها قطع من أرواحنا
أما أنا..
وبعد تلك السنين الطوال من الحرب، أتكأ على جدران بيت مهجور قديم أو مهدوم وأسأل،
ما الذي يجعل من شاب لم يبلغ العشرين من العمر أن تكون أقصى طموحاته الهجرة؟
عندما يصبح السفر هو المشروع الوحيد لكل شباب الوطن.
عندما يصبح المسافر أيقونة مضرب المثل للنجاح.. أو الفشل
جواب واحد بدون تفاصيل (السفر) وغالبا ما يكون المسافر نفسه لا يعرف التفاصيل..
هو الحل الوحيد؟
أم هو خيارين أحلاهما مر؟
الذهاب من اللا شيء الى اللا شيء
إلى الطريق المجهول
وهل يكمن ميزان القوة بالهروب؟
إلى الطرقات الغريبة التي لا تشبهنا
قد تكون الحرب هي العامل الأكبر التي فسح لنا المجال بالهروب إلى الخارج
في الستينيات، كانت البلاد الأوروبية كالحلم المستحيل الوصول اليه
لم يكن أحد منا يكترث لامتلاكه جواز سفر أم لا.
كان المهاجر بالنسبة شخص غريب، نادر ومهاجر لأسباب قهرية جداً
أعلم تماما أن ظروف الحرب في بلادي والأيام التي نعشيها اليوم قامت بطي صفحة الماضي.
فكيف يستطيع الإنسان أن يكون مهدداً بالموت وهو في منزله ولا يغادر؟
كيف يستسيغ فكرة الصعود بما يسمى بالبلم متجرداً من كل شيء يخصه، بلا اسم ولا هوية ولا حقائب حتى؟
قد يمكن للفرد أن يتقبل كل هذا إلا فكرة الموت مرمياً بالرصاص وفي منتصف بلده، أو أن يعيش في حالة عدم الأمان المستقر.
لا يستطيع، أي شخص على وجه الكرة الأرضية تقبل فكرة القلق المستمر الذي يعيشه.
وكما قلنا سابقاً
خياران أحلاهما مر.
يسافر الطبيب.. يسافر أيضا الخباز
لعل طعم الخبز اللاذع خارج بلده يستطيع إعالته.
رغم التمييز الذي يعاني منه معظم المهاجرين في كل أصقاع العالم
إلا أن معدلات الهجرة في ازدياد.
رغم التمييز بالأديان، الأشكال والأعراق.
وكما نعلم، من الصعب أن يجد المهاجر عملاً..
من الصعب أن يتسنى له ظروف معيشية جيدة كالمواطن الأصلي الذي يعيش معه في البلاد ذاتها..
من المنزل إلى الجنسية إلى كل شيء يمكن أن يتعلق بحقوق الإنسان..
ورغم الظروف، نجد الكثير من المهاجرين محققين لإنجازات كثيرة في بلاد العرب والغرب من اختراعات كثيرة، تاركين وراءهم البصمات الكبيرة التي لا تنسى، ولا تمحى من الذاكرة في جميع الأمكنة والأزمان.
العديد من الأطباء والمهندسين وكل فئات العالم المهاجرة كان طريقها شاق وطويل، واستطاعت العبور
للأسف، لم يستطع معظم المهاجرين العبور.. سجلت حالات فشل كثيرة في الأخبار وغيرها والكثير من الناس الذين لم يتم استقبالهم في البلدان التي هاجروا إليها وتم ترحيلهم إلى موطنهم الأصلي.
وهكذا يكون طعم الهجرة علقماً حتماً
وما تبقى من العمر،
يضيع في تأمين فرص العمل
يضيع في تأمين لقمة العيش
أليس هذا ما يسمى عمر الشباب؟
نعم.. عمر الشباب الذي نعيشه بنكهة لاذعة لا تطاق
كل هذا وهو في بلاد لا تشبهنا، لا نعرفها ولا تعرفنا،
هل يعقل أن تكون مواطننا لا تشبهنا أيضاً.
تسافر متجرداً بلا هوية ولا اسم، لا قيمة للإنسان خلال رحلة سفره هذه.
وفي لحظة ما، تجد نفسك تناجي ربك أن ينقذك من الغرق في منتصف البحر..
فهل ستصل؟
أخيراً
عن الهجرة، وعني أنا..
يمكنني القول إن الغرق يكمن في المكان الذي ليس لك..
في المكان الذي لا تنتمي إليه.
ثم بعد كل هذه الأحداث، قد تكون بلادنا ليست لنا
فهل ستكون الهجرة مكانا لنا؟
ليس لدي فكرة كيف يكون الختام هنا الآن،
هل أقول دمتم مهاجرين!
أم دمتم بخير سالمين؟
فرح الصبّاغ.
1 تعليقات
اما عني فأنا لم اهاجر مع اني احلم بالهجرة عن هذه المدينة التي اعشقها حد الجنون (دمشق ) طبعا .وأؤكد لك يا صديقتي أن من بقي في الوطن لم يبق بدافع الوطنية انما لضيق ذات اليد او لظروف اخرى خارجة عن ارادته.
ردحذفوالحديث يطول فوطن لا تأمن على نفسك فيه لا يستحق البقاء فيه ووطن انت فيه مجرد استثمار لسماسرة الحرب ومحدثي الثراء لايستحق العيش فيه ..والحديث يطول
صديقك الدائم عبد