تُنشبُ الحربُ فتدمّرُ الممتلكاتِ ويُقتلُ الرجالُ تُرمَّلُ النساءُ ويُيتّم ُالأطفالُ وتُشرّدُ العوائلُ! طفل ٌوُلِدَ ليبكِ طوالَ عُمرِهِ، أبٌ يغادرُ بغارةٍ وأمٌّ من ألمِ الإنجابِ تموتُ، اللطيمُ أحمدُ كانَ يتيماً فصارَ عجياً ثمَّ لطيماً تعدَّدتْ تسمياتُهُ قبلَ أنْ يَفتحَ عينيْهِ، كانَ مرتاحاً منَ الهمِّ والغمِّ لا يسمعُ القيلَ والقالَ جالساً بغرفتِهِ الصغيرةِ بأكثرِ الأماكنِ أمناً وفخامةً لا يأكلُ إلَّا أفضلَ الطعامِ ولا يشربُ إلَّا أفضلَ الشرابِ لا يشاركُ أحداً ولا يُتعبُ نفْسهُ بالتَّفكيرِ والبحثِ عنْ لُقمةِ العيشِ ،ولايَنظرُ إلى ملابسِ الآخرينَ ليتخيَّلَ نفْسهُ يرتديهَا، لا صدرُ أمٍّ يرضعُهُ ولا ضمةٌ تنسيهِ الألمَ ،ولا أناملٌ تمسحُ لهُ دمعةً نزلتْ لعدمِ امتلاكِهِ حقيبةً مدرسيَّة،ً دمعةً نزلتْ عندما رأى السكاكرَ ولمْ يشتر واحدةً منْها، لمنْ تُركْتَ ياأحمدُ {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا }.
ترعرعَ أحمدُ على يديْ جدتِهِ حتَّى التَّاسعةِ منْ عُمرِهِ كانتِ الضربةُ الأكثرَ ألماً عنْدَ موتِها، لمْ يحزنْ على فراقِ أمِّهِ ولمْ يحزنْ على فراقِ أبيهِ بالأصلِ لمْ يعرفْهُمَا إلَّا بالخيال،ِ لكنَّ جدَّتَهُ هيَ الَّتي كانتْ أمَّهُ وأباهُ ونبعَ الحنانِ ومصدرَ الغذاءِ وكلَّ شيءٍ يخصُّه،ُ لمْ تتوقفْ المصائبُ على هذا الحدِّ فقط ! انتهى عقدُ الآجارِ وسالمٌ صاحب الدار وأغنى رجلٍ بينَ التجَّارِ طرد أحمد!!
طُردَ أحمدُ وباتَ بالعراءِ يبحثُ عنْ يدٍ كانتْ تُطعمُهُ وتَسقيهِ، وصوتٍ كانَ ينامُ عليهِ ،وقلبٍ يَنبضُ خوفاً عليهِ إذا غابَ عنْ العينِ ساعةً ..لمْ ولنْ يجدَ هذا مجدَّداً ،بدأَتْ مسيرتُهُ مِنْ هُنَا لامتلاكِ أقلِّ مُمتلكاتِ الحياةِ، يَذهبُ يمنةً ويسرةً ،شخصٌ يوبِّخُهُ وشخصٌ يلطمُهُ وشخصٌ يعطيهِ بقرفٍ، لا أحدَ يكفلُهُ ولاغنياً يطعمُهُ ولا بيتاً منْ بيوتِ المسلمينَ يزكِّي كما أُمر.. َ لمْ يكنْ أحمدُ الشَّخصيةَ الوحيدةَ الَّتي تُعانِي ،ولمْ يكُنْ ذاكَ التَّاجرُ هوَ الوحيدَ الذي طردَ ..
{اصْبِرْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} اتباعاً منْ هذهِ الآيةِ الَّتي كانَتْ تكرِّرُهَا جدَّّةُ أحمدَ أمامَهُ صبرَ حتَّى التقى بها بحادثِ سيرٍ وهوَ يركُضُ باتِّجاهِ المدرسةِ ليَنظرَ إلى طلَّابها وهمْ يَلعَبونَ..
ليَسْتمعَ منْ خلْفِ الحائطِ لصوتِ الأستاذِ وهوَ يُعطي الدرسَ...
ماذا نَخسرُ لوْ زكَّينا كما يجب: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ﴿٥٦ النور﴾ ماذا نَخسرُ لو كفِلنا يتيماً:{أنَا وكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذا}
ماذَا نَخسرُ لو فكَّرْنا أنَّ كلَّ شيءٍ زادَ عنْدَنا ولمْ نعدْ بحاجتِهِ هوَ بغايةِ الأهمِّيةِ لغيرِنا: {تَصَدَّقْ ولوَ َبِشِقِّ تَمْرَةٍ}
بنْطالُ طفلِكَ القديمِ وكنْزةُ أخيهِ تُكسي طفلاً ،هلْ نَخسرُ شيئاً لوْ فعلْنَا ..
{مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} هكذَا أُمِرْنَا فماذَا فعَلْنا ؟ طردْنَا اليتَامى ونسينَا الثَّكَالى حتَّى عوَّدْنا الأطفالَ على التَّسولِ وأَبعدْنَاهُم عنْ أهمِّ المطالبِ، وميَّزْنَاهم عنْ أطفَالِنَا ونبذنَاهُم عنَّا كأنَّهُم همْ منِ اختَارُوا حياتَهُم ،لو نَفْهَم أنَّ هذا الطِّفْلَ المُتسَوِّلَ ليسَ بقَذِرٍ لو أنَّ أمَّه تمتلكُ ثمنَ المنَظِّفات..
َ أنَّ هذا الطفلَ ليسَ بِسارقٍ لأنَّهُ سرقَ رغيفاً منْ الخبْزِ ليسُدَّ بهِ جوعَهُ لوِ امتلكَ ثمنهُ لاشْتراهُ ..
أنَّ هذا الطِّفلَ ليسَ جاهلاً بالطَّبيعةِ..
حُلمُ كلِّ طفلٍ أنْ يدخلَ المدرسةَ ويتخرَّجَ منَ الجامعةِ ،لكنَّ قدرهُ كُتِبَ ليكونَ هكَذا والقَدرُ ُكَتبَ لهُ هذا ليَبتليَه في الدُّنيَا.
علي اسماعيل
0 تعليقات