أن تختارَ فنَّ الكتابة؛ ليكونَ عالمَكَ الذي تطلقُ فيه صرخاتِ قلبِك المهشَّمِ إلى عالمِ الضياع، هذا شبيهٌ بانتحارٍ قبلَ موعدِ الولادةِ بثوانٍ، وأَنْ تكتبَ عن الألم، هذا جُرمٌ أكبر.
لك يا عزيزي، أن تكتبَ عن الفرحةِ بتعبيرِ ابتسامةٍ صغيرة، هذا كافٍ، ولكنْ في الألمِ تخوضُ حروباً بينَ الكلماتِ المهاجرةِ لتستوفيَ حقَّهُ الذي ينهشُ جسمَ صاحبه، كيفَ لا، وأنتَ تُعبِّرُ عن ذرّة تبكي، وأخرى تصرخ، وتلكَ في عتماتِ الليلِ إلى ربّها متضرّعة.
تخوننا الحروف؛ لنميلَ ميلَ العاشقِ للهوى، نُردّد ترانيمَ السماءِ بألحانِ معزوفةٍ رَقَصَ على إثرها ثَمِلٌ وهو يرثي عمراً فانياً، تذكّرُنا لحظاتُه بيومٍ حاسمٍ لنهايةِ الوجودِ على هذا الكوكب، نخوضُ في أفكاره ونستدرجُ جُمَلاً؛ لنَصِيغَ بها فكرةً علّها تشرحُ نزيفَ فؤاده.
لمْ تكُنْ حياتُه حياةً، بدأْتُ أقرأُ مجلّداتِ العتبِ على صفوفِ وجهه المتراكمِ بينَها ذكرياتُ أيامٍ قاسية، بكيتُ لحالهِ الذي أردى روحَهُ إلى الفناء، لطالما كانَ يَضْحَكُ، ولكنّهُ لَمْ يَكُنْ كذلكَ حَقّاً، كِذْبَتُهُ التي اعتادَ رَسْمَها على ملامِحِه صدّقَها الكثيرون، واكْتَشفْتُها وحدي.
كلماتُه التي كانَ يكتُبُها في الصحفِ اليوميّةِ، والمجلات العربيّة، جميعُها تحملُ صفةَ التفاؤل، وأنّ الأفضلَ هوَ الغدّ، حياةٌ ورديّةٌ معالمُها ربيعٌ بعدَ سماءِ الشتاء، طفلةٌ في مُقْتَبَلِ عُمُرِها تُغَنّي أنشودةَ الطفولةِ الّتي يُحِبُّها، هذا واقعُ كِتابَتِه، والأجدرُ أنْ تَتَخيَّلَه عندَ قراءةِ نصوصِه، والحقيقةُ مختلفةٌ تماماً، المشاعرُ بداخلِهِ كجرادٍ جائعٍ طغى على حقلٍ من القمح؛ ليجعلَهُ سراباً، تَخَبّطٌ هنا وهناك، بينَ فقدانِ الشغف، والروحِ المنطفئة، وكمْ سيبقى على هذهِ الأرض.
لا أدري كَيْفَ يَخُونُ الجَسَدُ روحَه، ويَبْقى مُتَمَسّكاً بالبقاءِ دونَ الرحيل، كيفَ لكَ أنْ تكونَ وداخلُكَ في اللاوجود، تُبكيكَ الأيّام، والساعةُ لا تسير، دقائقُ روتينيّةٌ تأتي على موعدٍ منَ اللقاء؛ لتَبْتَسمَ بخُبْثٍ صهيونيّ وتَعُودَ، كتاباتُك كثيرةٌ، ولكنّ خوفَك على الطبيعةِ من التفاني، يمنعُكَ منَ الكتابة، لتَصرخَ في جوفِك بألمِ المُغتربِ وذاكَ الذي في وطنِه أسير.
حاولتُ أنْ أغرسَ بذرةً، لربما اعتبرتُها كنُطْفَةٍ مُهَرَّبةٍ لإحياءِ نَفْسِي قبلَ الموتِ الأخير، ولاحظتُ أنَّها لا تُسْقى إلّا بماءٍ غُسّل بهِ مَنْ في القبور، هذا لتكونَ فكرتي عقيمٌ قبلَ بدايةِ التكوين، ثمَّ انتقلتُ للكتابة إلى لقاءٍ أبديٍّ تحتَ شمسِ أيلول، لأكتَشِفَ أَنّ اليومَ هوَ الأوّل من نيسان، فهذهِ كِذْبةٌ لا تَصْلُح، سمعتُ في أذني صوتاً خاشعاً ينادي بلفظِ " اللهُ أَكْبَرُ"، ليَسقُطَ قلبي ولا قُدْرةَ لي على الوقوف، تمعّنْتُ جيّداً في مُفْرداتِه وما تَمْتَلِكُه من مَعَانِي، كُنْتُ أسمعُهُ وأَمُرّ عليه دونَ أَنْ أَكْتَرِثَ، ولكنّهُ اليومَ مُخْتَلِف، تماسكت نفسي وصليتُ ركعة، ثمَّ أخرى، و تنهيدةٌ للأخيرة ثمَّ البقاءُ له وحدَه، هُنا غادرَ جسدي معَ روحي، دونَ الرجوع…
أروى ابو سرور
1 تعليقات
Create
ردحذف