في ذلك المساء
تلبدت فوق دارنا سحابةٌ سوداء
ظلالها مقيتةٌ وتحجبُ الضياء
تدبُ فينا الرعبَ لأنها صماء
لا تسمعُ النداء
منذُ ذلكَ المساء
تداعت القلوب
منذُ ذلكَ المساء
والريحُ في هبوب
منذُ ذلكَ المساء
وغيمتنا عتيقةٌ أمطارُها صفراء
ومنذُ ذلكَ المساء ما توقفَ المطر
وما جفتْ السماء
كيف لا؟
وقد رحلَ الأوفياء
كيف لا ؟
والدموعُ والسعادةُ في عداء
في ذلكَ المساء...
جلسَ الصغير
والدموعُ في عيونهِ كأنها أنهار
قد بدا تعيساً على وشكِ الانهيار
كشمعةٍ مضاءةٍ في وضحِ النهار
أو نسمةٍ رقيقةٍ في قلبِ إعصار
كالشمسِ في الشتاء
حزينةً كئيبة
تصادمت خيوطُها بالغيمِ في السماء
مثلَ حبِ الأنقياء
مثل حربِ الأشقّاء
مرتِ الأيامُ والبؤسُ في ازدياد
كأن صقراً جارحاً في عشٍ من رماد
أو كعروسٍ تُزَفُ والناسُ في حداد
مثل ليلةِ الأعياد
ويدا الأبِ الحنونِ تلفها الأصفاد
مثل نصرةِ الأوغاد
أو ذاكرةِ الأجداد
دموعهما جريحةٌ لا تذكرْ الأحفاد
كذلكَ المحاربُ المغوار
يذودُ عن بلادهِ شدائدَ الأخطار
بشجاعةٍ وعزة
لا يشوهُها الفَرار
ليموتَ بعدها أثناءَ حفلِ الانتصار
ذاتَ مساء
كانَ ذلك اليتيمُ يجلسُ في العراء
أصابهُ النعاسُ فوقَ صخرةٍ عفراء
فجاءهُ طيفٌ رقيقٌ مثلما الضياء
فبكى الصغير
وعلا البكاء
قال يا أبتِ دارنا جوفاء
ماؤها آسنٌ وجدرانها صمّاء
مُذ رَحَلتَ يا أبتِ وسحابتنا سوداء
أمطارُها مديدةٌ وأرضنا جرداء
مُذ رَحَلتَ يا أبتِ ما ذقنا الهناء
ولا زارنا الرضى وماتَغَمَدَنا العطاء
مُذ رَحَلتَ يا أبتِ ونحنُ في عناء
فالبردُ يسكنُ دارنا وليسَ فيها غطاء
بكفه الحنون.. أزال دمعة الشقاء
لبنى الروسان
0 تعليقات