امرأةٌ في أواخرِ التّسعينِ جالسةٌ ببأسها تنتظر الموت، تنتظر ساعتَها المحتّمة، ترى الحياةَ تمضي و هي تنتظرُ موتَها، روحُها من عبق الوجع ضجرت، باتت تصرخ بأعلى صوت :" متى لحظة الوداع؟ متى الموت؟ "
ربّما الموتُ قريبٌ و لكنها ضجرت و هي تنتظرُ الشيبَ الأبيضَ كان يكفكفُ عليها ويقول : " الموتُ أمرٌ محتم، لكن عليك الانتظار "، تقفُ عاجزةً في مكانها وكأنّها ترى مسرحية : و تعلم أنّ النهاية باتت قريبة لكنّها لا تحبّ الانتظار، امرأة عجولة تحبّ كلّ شيء على عجل، شيبُها الأبيض بات رفيق روحها، يواسيها كلّ حين، كان العالم يرى ذلك الشيب وينفر منها، بينما لا أحد يعلم أنّه مواساتها و رفيقها، يسندها حين تنظر إلى المرآة ويقول لها : " الموت أمرٌ محتم، و أنت في أواخر العمر انتظري قليلاً يا سيّدتي لربّما آخر رمق يكون الآن... "
تنتظر و تنتظر تقف على أعتاب بيته تنتظر لكن من ذا مثلُكِ يا سيّدتي ينتظر الموت ! ، من ذا الّذي يريد الرحيل على عجل، لكن لا أحد يعلم لماذا كانت تنتظر الموت، كانت تنتظر الموت بعدما كانت تنتظر ذاك الأشقر الوسيم الّذي وعدها بالرجوع من أجل أن ترتدي ذاك الفستان الأبيض، مضى العمر سريعاً ولم يعدْ! ولم ترتدي حلمها ولكن عندما سمعت خبر وفاة عشيقها لم تيأس بعدما قالت: "ربّما اللقاء في دار البقاء والخلود "، باتت تنتظر الموت وارتداءَ الكفنِ الأبيض كان الكفنُ في عينها كأنّه الفستان الأبيضُ المرصَّعُ بالألماس ، تقف كلّ يومٍ على أعتابِ نافذتها وتُحدِّثُ النجومَ و القمرَ وتقول: " متى اللقاء؟ " كانت تقول للنجوم : " سوف أصعد ذات يوم إلى السماء وتزفّوني أجمل عروس..."
ما هذا الأمل يا سيّدتي، ما هذا الوفاء، ما هذا الصّبر الّذي أبقاكِ على الوعدِ كلّ هذه السّنين هل حقاً تنتظرين الموت من أجل اللقاء!؟..
ربّما الأرض لم تستطع جمعكٍ مع عشيقكِ، لكن السّماء ربّما هي أملكِ الوحيد، ليت السماء تجمعكِ ليت وليت وما تفيد ليت لم تُفِد عندما كان عشيقُكِ على قيدِ الحياة، أتفيدُ الآن!؟
في السّماءِ يا ترى ماذا كان يفعلُ عشيقُكِ كلَّ تلكَ السنين أين كان عندما كنت تحتسين قهوتَكِ ، وتضعين صورته أمامكِ و فنجانَ القهوة وترتشفين و تردِّدينَ كلماتِ الغزل لتلك الصورة ، أين كان عندما تعودين مهزومةً كلّ ليلةٍ إلى فراشكِ ودفتركِ وتكتبين وتكتبين كانت الكتابة سعيفتك، كنت تكتبين كلماتٍ كان من المفترض أن تُقالَ له بدلَ الدفتر ، كان القلمُ يرتجف بين أصابعك، كان يودُّ إخبارَكِ بأنّه بات متعباً لم يعد يستطيعُ إسعافَك، ولكنه لا يستطيع أن يخونَكِ مثلما فعل عشيقُك، كانت الحروفُ العربيّةُ تريد الانسحاب، لكن قتلها شوقُكِ، واقفةً عاجزةً تنظرُ إليكِ و إلى حنينكِ، أخبريني أين كان؟ أعلم الآن سوف تضعين مئة عذر لعشقيك ولكن صدقيني يا سيّدتي امرأةٌ مثلُك قطعَتِ الربيعَ و الخريفَ من عمرها وهي تنتظر، هذه امرأةٌ مهووسةٌ متيّمةٌ ومُغرمَةٌ ومولعة بروح عشيقها، لن ينفذَ صبرُها من الانتظار ، بل كانت روحها تتجدَّدُ كلّ يومٍ على أملِ اللقاء، ربّما اللقاءُ أمرٌ محتَّم لكّنه ليس في دنيا الفناء بل بدار البقاء ..
يارا الحسين
0 تعليقات