كان َيجلسُ داخْل َالغرفة مُعانقاًَ وِحدتهُ، منزويا ًعلىَ نفسهُ بإِحدىَ أركانها الأكثر َظلمةَ،أما قلبهُ المّرتعش كانتَْ تزيدُ نبضاتَ قلبهِ كلما إزدادت سرعة َقَطراتِ المياه،ِ الهاربة َمِن ْالصَنِبُور الذي تَآكلَ بفعل الصدی،بعَد يومٍ كاملٍ مِنْ العقوبَة فيِ الحبسِ بغرفة باردةٍ خالية ٍمن ْالحياةِ فَتح َبابَ الصدی ليظُهر مِنْ خلفهُ ملامحَ القسوةَ والظلمِ لإمرأة في عقدها الخمسين، لتقتربَ منه بخطوةٍ سريعةٍ وتَمسك َبجسدِه الهزيلِ لتخرجه إلى المهّجعِ، لكنَ ماجعلُه بذهولٍ وحيرةٍ هو أنهما لم يسلكَ المّمر المؤديِ إلى المهجع الخاص بهِ، كانتْ الدقائق تمر ببطئٍ والأرض منْ تحتَ قدميه ِتأبىَ إلا أن تطَوُل ليبدأ جبينه بالتعرق بشكلٍ أسرعَ، لم ْيَستَطع حفظَ الطرقِ العديدة التي مَر بها، فالألوان التي زخرفتْ على الجدران بشكل ٍمبهرٍ جعله يعتقدَ بأنه غادرَ منْ المَستنَقع الذي يعيشْ بهِ منذُ دخوله لهذَا الدارِ حتى َالآن، بعَد مشيَ لمدة نصف ساعَة أدخلته إلى غرفةٍ بَها سرير ٍ ًاو خزانةَ مع َطاولةَ دراسةَ كما التي يراها على شاشةَ التلفازِ؛ كانَ نافذته للعالم الخارجي، تركُته وأغلقتْ الباب خلفها وبعد دقائق معدودةٌ، فتحَ البابَ و ظْهَر منْ خلفه ِشابةٌ بعقدهَا الثلاثينَ من عمرها ومعها الكثير من الملابس الأنيقةَ، طَلبتْ منُه بكلِ حزِم ونصِ ابتسامة ٍزائفةٍ الاستحمام ِواستبدالَ ملابسهِ بالتي جاءته بها فوراً، بَدَأت أذنيه بالطنين ورأسهُ بالغليانِ فأصَبحَ يتنفس ببطئٍ شديدٍ أفقده إتزانه بسبب الجوعِ وقلة شربِ المياهَ،لكنهُ إنصاعَ للأوامر بسببِ معرفته المسبقة بعواقبَ التمرد ِفيِ هذا المكان.
ذهَبَ للحمامِ وأزالَ عنهُ ملابسه ودخلَ تحتَ الماءَ الدافئةِ، تذكَر ابتسامةَ والدته له وعناقها الدافئ الذي حظي به للمرة الأخيرة قبَل دخوله لملجئ الأيتامِ، خرجتْ منْ جوفهِ شهقةٍ مليئةً بالخيباتِ التي تلقاها بعمرِهِ القليل ِوأولها تخلَ والده عنه بعَدَ وفاة زوجته لعدم مقدرته علىَ تحملِ مسؤولية ابنه ذوُ الخمس سنوات، إرتدَىَ ملابسه ُبثقلٍ كبيرٍ،وخَرجَ إلىَ الغرفة مجددا ًليجدَ آلاتٍِ كثيرةٍ قدْ وضعتَ في جميع الأركانِ لم يسبقَ لها أن كانت موجودة، لكنه أستطاعَ التخمين بأنها آلاتِ تصوير كالتي رآها بإحدَىَ الأفلامِ البوليسيةَ، بعد عدة دقائق تحلقَ حوله مجموعةٍ من الناس بثيابٍ جميلة دوَن ملامحَ وكأنها سقطت سهوا ًداخلَ تجويف إحدَى آلاتِ التصوير لكنَ صوتُ ضحكاتهَم العالية أصابه بالإعياءِ الشديد ِللحد الذي جعله يفقدُ وعيهُ،حاولَ أن يفتحَ جفنيه بتثاقل ٍشديدٍ ليجد بأَّن الشمس أشرقَت مِنْ جديد،حاولَ تحريك يده لكن وجود مصل بيده جعله يدرك بكونه بإحدى المستوصفات، لكنهُ سمَع أحد َيقول همساً ربما أغميَ عليه من شدة ِفرحه ِبالهدايا المقدمة لهُ، مرت ساعةٍ على استيقاظه لكن لم يأتي أحد بعَد ليراه، ولربما قاموُا بطردهِ، ابتسمَ على أملٍ أن تكون أمنيته تحققت لكنَ ملامحَ تلكَ المرأةِ جعلته يعوُد إلى واقعهِ المتصدعِ، أمسكت بيده وهي تجرهُ نحَو مهجعه وهيَ تقولُ لهُ؛ فِي المراتِ القادمة ِإِذا فقدت َوعيك َونحنُ نقومُ بالحملة ِالدعائية ِسأقومَ بتمديَد ِعقوبتكَ لَولا وجوِد صديقَكَ الذي قاَمَ بالدور َبدلاً عنكَ، فتحت البابَ و رمتُه علىَ أولَ سريرٍ، أحتضنَ نفسهُ بصمتٍ وأغلَقَ عينيهُ علَى أملَ اللقاء بأمه ذات يومٍ
مروة َالقبانيِ
0 تعليقات