الفاجعة










في ليلةٍ من ليالي لم نتوقع بها شتاء، وإذ برذاذ مطرٍ يطرق باب نافذتي كأجراس كنائس محروقة،





ملتوية بدماء أبناءها، وكالعادة أجلس بذاكرتي البائسة، وإذ بصوتِ مطرٍ يُعلن الفُراق بطرقة.





كان يابس الفكر، أجحص المُقلتين، لم يتكلم، لم يتنفس، بقي جامدًا، أجل، توقف عالمي، بنقطة، بقطرة، بطرقة، بنظرة، بصمتٍ مؤقت.





عندما طُرِق باب منزلنا وقف غيثٌ وأوقف الغيث معهُ بطرقة، عندما شاهدتهُ وقفتُ مذهولة لم يعتريني سوى الجمود.





تِلك الغصات تدفقت جميعها عند موقد ومقبض بابٍ مُعلنةً الرحيل.





فجأة !! قلتُ لهُ: تفضل بالجلوس وبدأتُ بالثرثرة المُلفقة. تفضل يا غيث لِمَ أنت واقف بذهولٍ هكذا؟؟





مسكتُ يده وأدخلتهُ كان يمسك بالأُخرى (تلك القطعة) لم أعيرها أهمية، ولم أتوقف عن الثرثرة، قلتُ لهُ: سأعدُ لكَ كوبًا من الشاي،





نهضتُ بلهفة فأمسك بيدي فجأة!!





لم أشعر إلا بتلك النار التي لامست يدي أنها دخلت إلى قلبي.





قال بصوتٍ اخترق بهِ الحزن مكاناً:  باللهِ عليكِ.





قاطعته: ما بكَ تمسك بيدي هكذا؟؟ آهٍ سأعود.





قال: (فاعترض المطر أفكاره، وبدأ بالهطول كأنهُ لم يتوقف لحظة، كأنهُ كان يُصغي لحديثنا؛ كأنهُ كان يقول لي، كأنهُ يُجيب لحديثي)





( عليٌّ استشهد ..)..!!





فقال: مم.... لم أدعهُ يُكمل ، وقلتُ لهُ: لا تتحدث.





أعلم بجميع أحاديثك. هل تعلم يا عزيزي أنني أُتابع الأخبار والصحف وأعرف ما يجري، هه





-يا غبي- إنني من هذه البلدة؛ بل إنني من هذا الوطن.





(غادرت المكان لأعود بكوبي شاي بالليمون كما يحبهما)





نظر إلي غيث (والدمع ملأ عينيه) نظر بعينيه الخضراوتين التي لم أعشق مثلهما من قبل





وقال: علي !!





قاطعتهُ وقلتُ : عليٌّ بخير البارحة تكلم معي إنه بصحة جيدة ، وتعلم أنَّ هُناك أخبار مُلفقة.





(تسلل الصّمتُ وأخذ مكانًا ما بيننا )





قالت: كنتُ أعلم منذ أن طُرِقت نافذتي مطرًا،





عندما بدأت تُطرق روحي، ذكريات (علي)؛





فأتيت وطرقتَ بدلاً من باب؛ روح ، وبدلاً من يدٍ؛ رصاصة.





قال: لِمَ لا تصدقين ؟؟ .





قالت: لأن (علي) لن يموت يومًا.





هل تعلم بأن هذين العاشقين ينتظرانه ؟





هذا هو فنجان القهوة خاصته، هذا دفتره، وهذا كُرسيه.





كل شيء ينتظرهُ لستُ أنا فقط !





قال: مريم، أرجوكِ، ابكي، اصرخي، اصفعيني





لا تبقِ جامدة، افعلي أي شيء.





قالت: (وهي تنظر إلى الكأسين ) لا أُريد لذكرياتِ (علي) أن تُغادرني بدمعة ! فالدموع ستعرف مجراها.





وستسقط ويسقط معها ذكرى تلو ذكرى





رفع بكلتا يديه رأسها إلى الأعلى وقال: أعلم أنَّ جميع الذكريات لن تُغادركِ بمرور الدمع، فأرجوكِ.





عانقتهُ عِناق أشد حاجة لحنان أُم، لغُربة أخ،





لحبٍّ، أو لحبيب.





لعلها لأول مرّة تُعانقهُ باحتياج، باجتياح،





بأنها لا تُريد سوى (حياة ) أو ربما حياة ما بعد موت.





هل هي :





               دمٌ أم دمعة





             حرقة أم لوعة





          أم مرور هوىً ورؤى





        يامن تخطت ذكرياتهُ .. بذكرى





       لم يعد لنا من رحيلهِ سوى ذكرى





        عليٌّ .. لم يستشهد بل حيٌّ يُرى





      يُرى السماء ، يُرى الأرض ، يُرى الثرى ...





         كفوا أحاديثكم المُلفقة ..





             فهذه عاقبة الجنة





           كفكفوا الدمعَ والدمَ





      وكفنوه بعلم الشهادةوالشرف





        فلم يعد لي حيلةً ولا قوة





                   سوى أن ..





          أُخلي حرية أخاً  بلُقي ..





. باسكال عيسى


إرسال تعليق

2 تعليقات

  1. رااااائعة ❤❤❤
    بالتوفيق ياروحي ✨🙏

    ردحذف
  2. برافو برافو باسكال

    ردحذف