هَا أنا أُبعثِرُ حرُوفِي في فراغِ الاشي، أُلَملِمُ بقَايَا شُتَاتِي على هيئةِ طريقٍ يقودنِي إلى الخيالِ الحقيقيِّ ، إلى الغرقِ النَّاجِي ، إلى الكذبِ الصَّادقِ ، إلى الإبداعِ الفاشلِ ، وأخيراً إلى الأوهامِ الزَّائفةِ.
لا أعلمُ كَم من الأعوامِ أحتاجُ لتنتهي خاطِرَتِي أو قصيدتِي أو أعظم مقالةٍ عبرَ التَّاريخ في ثناءِ مَولاتِي.
لو كُنتُ شاعِرًا لكانَتْ شِعري ، لو كُنتُ قصيدةً لكانَتْ أبياتِي ، لو كُنتُ كاتِباً لكانَتْ خاطِرَتَي، لو كُنتُ روايةً لكانَتْ أسطُرِي، لو كُنتُ رسَّاماً لكانَتْ لَوحتِي، لو كُنتُ مُصمِّماً لكانَتْ تصميمي، لو كُنتُ عازِفاً لكانَتْ ألحانِي، لو كُنتُ مُغنِّياً لكانَتْ أُغنيتِي ، لو كُنتُ مُعلِّماً لكانَتْ دُروسِي، لو كُنتُ ساحِراً لكانَتْ سحرِي ، لو كُنتُ طاهِياً لكانَتْ طعامِي، لو كُنتُ مريضاً لكانَتْ دوائِي ، لو كُنتُ مجنوناً لكانَتْ دائِي ، لو كُنتُ حزيناً لكانَتْ جُروحِي، لو كُنتُ باكِياً لكانَتْ دُمُوعِي، لو كُنتُ ذكِيًّا لكانَتْ عقلِي ، لو كُنتُ مُدمِناً لكانَتْ مُخدِّراتِي، وأخيراً لو كُنتُ عاشِقًا لكانَتْ مَعشُوقتِي.
أُدرِكُ جيِّدًا أنَّ حبرَ قلمِي سيجفُّ وأنا في بدايةِ عنواني، ما زِلتُ أُمهِّدُ لتِلكَ الأفكارِ التَّائهةِ الضَّائعةِ بينَ نسماتِ الهواءِ المُتأرجِحَةِ في اللاحدود.
وأُدرِكُ أيضًا أنَّ بِحارَ كلماتِي نافدةً لا محالة، وانا بينَ السُّطور أُحاوِلُ قراءتها كتراتيلٍ في كتابٍ مُقدَّسٍ يحمِلُ في طيَّاتِهِ شفراتٍ لعالمٍ قديمٍ يعلُوهُ غباراً كثيفاً.
وأخيراً هَا أنا أستعدُّ للانطلاق في رحلةِ الإثارةِ لوصفِ سيِّدَتِي عبرَ طائِرَةِ الغُمُوضِ لنُحلِّقَ في متاهاتِ اللانهاية ، وكم أتمنَّى من الإله أن لا تُعاقُ حركتِي وأصطدِمُ بحاجزٍ من بعثرةِ الأملِ أو أقعُ فريسةً في شبَّاكِ صَيدِي من حقدِ الحسَدِ وشرِّهِ.
كيفَ لِي الآنَ أن أُصدِّقَ نفسِي وهيَ أمامِي ، لقد طارَتِ الجُمَلُ من فمِي وحرَّرَتْ قيدَ وثائِقِي وكأنَّها أزاحَتْ ثِقلاً عالِقاً بهِ.
أفكارِي تحلَّلَتْ إلى هواءٍ باردٍ ناتجٍ عن تفاعلاتِ تحليلٍ عقليّ الَّذي لم يستوعبْ حالهِ.
شتمْتُ نفسِي وغبائِي وعِنادِي على إصرارِي لرؤيتِهَا فلقد تبخَّرَ كلَّ شيءٍ أمامَ عظمةِ سيادتِها.
أُريدُ الاستيقاظَ فهَلْ أنا بحلمٍ أمْ هي على حقيقتِها ؟!
أشعرُ بالغرقِ ونجاتِي باتَتْ ضعيفةً لتِلكَ الَّتِي ينشقُّ القمرُ لأجلِها.
شعرُهَا كالبحرِ الأسودِ مُموَّجٌ، وكأنَّهُ أمواجٌ بعضها فوقَ بعض، متلاطِمةً بتداخُلِها.
عيناها أباريقٌ من عسلٍ صافٍ ولكن ليسَ كلّ ما تراهُ أعيننا حقيقيّ، فعيناها فتنةٌ والفتنة أشدُّ من القتلِ يا عزيزي، فاحذَرْ منها لأنَّكَ لن تنجُو أبداً عندما تُبصِرُهَا ، وترحَّم على نفسِكَ جيِّداً إذا فارقْتَها ، وبكِلْتا الحالتَين ستموتُ أمامَ عيْنَيْها فكيفَ إذا غمزَتْ لكَ بطرفِهَا.!؟ فاعلَمْ أنَّكَ في جحيمِ حياتِهَا.
بسمتُها روايةٌ للعشَّاقِ ، تخطفُ القلوبَ من نظرةٍ ومهما تصفَّحْتَ بها فلَنْ تنتهي ، وستُدرِك أنَّكَ وقعْتَ أسيرَ قلبِها وبِما أنَّكَ فتحْتَ الكتابَ فلَنْ تُغلِقَهُ وهي كذلك ستغرقُ في بسمتِها وإذا لامَكَ القدرُ وفارقَتْ روحُك جسدَكَ فلَنْ تستطيعَ نطقَ الشَّهادةِ تحتَ تأثيرِ سحرِهَا.
إطلالتُهَا مُشرِقةٌ والشَّمسُ مُنافِسَةٌ تشتعلُ غيرةً لا حرارةً على سطوعِها ، وكأنَّها النُّورُ لأشعَّتها الَّتِي تكادُ تذوبُ من جمالِها ، فهي لوحةٌ فنِّيَّةٌ أبدعَ رسمها مَنْ خلقَها فقط.
جمالُهَا كغروبِ الشَّمسِ الحمراء على بحرٍ مُحَاطٍ بأزهارِ الرَّونقِ النَّرجسيَّةِ، جمالُهَا كذلك الشَّفَقُ في تِلكَ اللَّيالي الباردةِ الَّتِي يحتفِلُ النَّاسُ بها لشدَّةِ بهجته
صوتُها أُقسِمُ وكأنَّهَا عازِفةُ أوبرا ترقصُ ألحانها بإيقاعٍ شجيٍّ ، صوتُهَا كقُرآنٍ مُرتَّلٍ تتجوَّدُ فيهِ الحسناء بثيابِ صلاتِها بجناحَيْهَا البيضاء.
ضحكتُهَا كالنَّبيذِ الَّذِي يُسكِرُ مسامِعَ أفئِدةَ هوتها حدّ الإدمان ، ضحكتُهَا كشللٍ مؤقَّتٍ ولَرُبَّما إنْ طالَتْ دامَتْ فلانَتْ فكسُـلَـتْ فكُـسِرَتْ فماتَتْ ثُمَّ دُفِنَتْ.
فمِنَ الأفضلِ لك بعدَ سماعِكَ كلّ هذا ألَّا تدخل بوَّابةَ تعقيدها.
سُبحانَ مَنْ كَحَّلَ عيْنَيْها وهيَ بِلا كحلٍ ، كحَّلَها كسماءٍ في مُنتصَفِ اللَّيالي تلمعُ النُّجومُ فيها لتزيدَها جمالاً وثملاً.
أحلامُها كحمامِ الحرمِ مُـحرَّمٌ قتلها ، مُشِعَّةٌ كمجرَّةٍ كونيَّةِ أضاءَتْ لهَا أنواراً كانَتْ معتمة فوحدتها على عقيدةِ طموحِها.
هذا مدحٌ والمدحُ خُـلِقَ لأجلِها ولكن هل هنالك مدحٌ يجاملها ؟!
غضبُهَا لعنةٌ ملعونةٌ تُسخِطُ مُسبِّبُهَا ، تُحرِقُه في براكينِ حِمَمِهَا ، تُغرِقُه في بحورِ جبرُوتِها ، تُلقِي السِّحرَ على عقلِهِ ليتمنَّى الموتَ عِوَضًا عن عذابِهَا.
طيبةُ قلبِها كمرضٍ لا يُمكِنُكَ التَّخلُّصَ مِنهُ ، يجلِبُ لكَ الحُـمَّى والأرق بسببِ التَّفكيرِ الدَّائمِ في أعجوبةِ أمرِها.
حزنُهَا مُؤشِّرٌ ليومٍ مشؤُومٍ وكئيبٍ ، كزهرةٍ ذابِلةٍ بلا أوراقٍ أحاطَتْهَا الأشواكُ مِن كُلِّ جانبٍ أو كمدينةٍ مُخِيفةٍ تسكنُهَا أجسادٌ بِلا أرواحٍ ، وجوههم شاحبةٌ ومناظرهم مُرعِبةٌ.
دموعُها تسقطُ بغزارةٍ من عيْنَيْها وكأنَّهَا تُعلِنُ حرباً على تِلكَ الغيوم من فوقِها أيُّهما يهطلُ بكثرةٍ.؟! وبدونِ شكٍّ هي المُنتصرةُ فلا تتحدَّاها لأنَّ النَّصرَ خُـلِقَ لأمثالِها.
وفي نهايةِ كتابتِي ألفَيْتُ نفسِي لم تكتبْ بالرّغمِ من كلَّ هذا ، فأدركْتُ أنِّي لَنْ أستطيعَ وبمتاهاتِ الحروفِ سأضيعُ
وسأبكي لأجلِها كالرَّضيعِ
وستدمعُ عيونِي كالينابيعِ
وسيُـزهِرُ اسمُها في الرَّبيعِ
وسينهارُ حصنُ كبريائِي المنيعُ.
هي أسودٌ وأبيضٌ ، سخَطٌ ونعمةٌ ، لعنةٌ وخيرةٌ ، حقيقةٌ وأوهامٌ ، موتٌ وراحةٌ ، داءٌ ودواءٌ ، سعادةٌ وحزنٌ ، غضبٌ وابتسامةٌ ، طيبةٌ وطاغِيةٌ ، فاختَرِ الوجهَ الَّذِي يُناسِبُكَ ، وانتقي كلماتِكَ ، واحسبْ زلَّاتِ لسانِكَ ، واحكمْ عاداتِكَ ، وارحمْ حياتِكَ.
فهيَ ليسَتْ كالبشرِ
ولا ضوءُ القمرِ
ولا أيِّ شيءٍ آخر
هي فقط فتاةٌ ولكنَّها نرجسٌ، هي تلك النرجسية
رغد مراد
0 تعليقات