حاكمٌ على أشلاءِ الذِّكريات


وهكذا أُوَاسِي نفسِي مُذْ رحلْتِ ، أُدَارِيها بكلماتٍ لا تحطُّ على أسطرٍ ، بجُمَلٍ لم ولن تنتمي للكتبِ ، بأحرفٍ لطالَما نفضَتْهَا الأوراقُ بعيداً عنها.





فَأنا الَّذي يهربُ منكِ ليعودَ إليكِ ، أنظرُ إلى لوحاتِكِ المُعلَّقةِ على الجدران مِن حَولي ، ليتَكِ تعلمِينَ أنَّ الغُبارَ أكلَ بريقَهَا يا وريف.





مُذْ رحلْتِ لم أقُمْ بمسحِهَا كما كُنتِ تفعلِينَ كلَّ صباح ، أخافُ أنْ تسحبني إحداهَا فأندسُّ من جديدٍ بين ما تركتِيهِ لي مِن حزنٍ ، أذكرُ كيفَ كنتِ تأتِينَ بابتسامتِكِ العذبة وأنتِ تحمِلِينَ بريقَ الأملِ المُتجسِّد في ثوبِكِ الأبيض ، كانَ ذاكَ المُفضَّل عندكِ ، لو تعلَمِينَ أنَّهُ كانَ المُميَّزُ بالنِّسبةِ إلى قلبي أكثر ما هو كذلك بالنِّسبةِ إلَيكِ ، ليتَكِ تأتي وتَخِيطِي ثُقوبَ صباحِي البائِس هذا ، ليتَكِ تعلَمِينَ أنَّنِي ما عدْتُ أرتشِفُ قهوتي الصَّباحيَّة ، لطالَما اعتدْتُ على أنْ أتذوَّقَ المرارَ من صنعِ يدَيكِ يا سكَّر ، لو كنتِ هنا لَمَا اكتفيتِ بارتداءِ المميَّزِ ذاك ، بلْ زدْتِ علَيهِ انتفاضتكِ في رسمِ لوحاتِكِ المجنونة ، كُنتِ جئتِ بألوانِ الأرضِ بِرُمَّتِها لتبعثي قِسطاً من روحِكِ الفَوْضَوِيَّة وتجعلِي منها وجوه مجاهيلٍ تُخَطُّ على ورقٍ ، كُنتِ أوقعْتِ شيئاً من ألوانِ الطَّيفِ على ثوبِكِ عمْداً ، تتعمَّدِينَ ذلك وتُكمِلِي المهمَّةَ فلا تنتهي مِن سكبِ الألوانِ علَيهِ إلَّا بعدَ أنْ تصنعِي منكِ لوحةً لن تقدر الأوراقُ على استيعابها فكانت بشريَّةً حقيقيَّةً تصنعُ للمعجزاتِ السَّبع أُخرى ثامِنَة.





ليتَكِ تعلَمِينَ أنَّ الكأسَ خاصَّتُكِ لا يزالُ يترأَّسُ المِنْضدةَ ، الغبارُ يُضِيفُ علَيهِ أثَراً بطعمٍ جديدٍ كلَّ يوم ، ولكن دعْكِ منه فكلُّ شيءٍ كنتِ قد وضعتِهِ أنتِ سيبقَى صامِداً إلى حينِ عودتِكِ ، باللهِ انصفيني أسَتعودي؟ لا أعلمُ إنْ كانَتِ العودةُ ستُنجِينِي من الغرقِ في النَّدمِ ، أستذكِرُ كلماتِكِ وأعضُّ أصابِعِي ندَماً علَيها ، كيفَ كنتُ أتجاهلُكِ باللهِ لا تتجاهلِينِي.





في كلِّ مرَّةٍ كنتُ أعودُ إلَيكِ مُنكسِراً لأرمِي بقِطَعِي الحادَّة علَيكِ حتَّى تتهشَّمِي ، ما كنتُ أُرِيدُ أنْ أضعفَ وأمامِي القوَّة تحتلُّ أُنثى.!





كنتُ ولا أزالُ كما نعتِّنِي" شرقيٌّ بامتياز " ولا زلتُ أستعمِلُ قوَّتِي في المواضع الخاطِئة كما قلْتِ لِي أنتِ سابِقاً.!





أنتِ وحدَكِ مَنْ تجرَّأَّت لتفصحَ بعيُوبِي وتلقِيهَا عليَّ بقسوةٍ لتُغيِّرَ مِن ملامحِ وجهِي.





أردْتُ أنْ أكونَ الحاكِمُ ، وأنتِ جارِيَتِي ، هَا أنا أصبحتُ حاكِماً على ما تبقَّى من صفوفِ الذِّكرياتِ ، وأنتِ تجرَّأَّتِ فكُنتِ الهارِبةَ المُتمرِّدة.!





عُودِي فأنا لن أتغيَّرَ إلَّا بفوضاك، أريدُ منكِ أنْ تُبعثِرِي حياتِي وتُلقِي بأيَّامِي هنا وهناك كمَا كنتِ تفعلِينَ ، أمسيتُ أكبرَ كارهٍ للوقتِ وتنظيمِهِ ، أكرهُ الدَّقائِقَ ، ألعنُ الثَّوانِي ، وأُلقِي اللَّومَ على تِلكَ السَّاعة السَّوداء المُفعَمةُ برائحةِ النَّدم ، قلْتُ ارحلِي وما أنا بقادرٍ على التَّأقلمِ مِن بعدِ الرَّحيلِ ، مبعثرٌ أنا فهلَّا تجمعِيني.!





شمعةُ الوداعِ انطفأَتْ، صدِّقِيني لم أُطفِئُها ، تركتُها وحدَها تحترِقُ وتبكِي على رحيلِكِ ، حتَّى ذابَتْ أخيراً وذابَتْ معَهَا ملامحِي.!





أنا هشيمٌ نُفِيَ من الحياةِ وهو على قيدِهَا عُودِي فربَّما إنْ عدْتِ أعودُ.!





سلام الخطيب..





٣:٤٠ م





٢ /أيَّار/ ٢٠٢٠م


إرسال تعليق

0 تعليقات