أخي العزيز


١٨ • مارس • ٢٠٢٠









هَا أنا ذا أكتبُ لكَ مجدَّداً كما وعدْتُكَ في رسالَتِي الأخيرة ، هَلْ وعدْتُكَ ؟ لا أذكرُ، لكنَّنِي على أيَّةِ حال أكتبُ إلَيكَ ، وأثِقُ بأنَّكَ تُنصِتُ إليَّ بِطُهرِكَ ، كما تُكَفكِفُ دموعي رغم بعدِكَ .





أقتاتُ صمتكَ فأجِدُني أقوَى بينما أبصقُ ضجيجَ البشرِ.





ألُوذُ إلَيكَ كالطِّفلةِ الَّتِي تركضُ إلى أخِيها لتُخبرَهُ بشقاوةِ أبناءِ الحيِّ ،





عزيزي.. أنا -وبخلافِ كلّ الأخوة- أودُّ ألَّا أراكَ على وجهِ الأرضِ بتاتاً ، لستُ أطردُكَ أخي ، إنَّما أُحاوِلُ طردَ البؤسِ مِن حَولِكَ ، أُرِيدُ دفعَكَ خارجَ الكرة الخضراء والزَّرقاء الَّتِي يقطِنُها البشرُ ، إنِّي أرجوكَ ألَّا تأتي إلى هنا ، أخشى عليكَ مِن أنْ تقضِمَ النَّدم وتُلطِّخَ يدَيكَ بالسُّوءِ المحشورِ في زوايَا هذه الكرة.





اهربْ يا أخي ، ابتعِدْ قدرَ المُستطاعِ عن كلِّ مَنْ يتنفَّس ، عن كلِّ وحشٍ يُسمِّي نفسَهُ بشريّ ، أخبرُكَ أنَّ الخيرَ قد نَفِدَ ، ولم يبقَ سِوى الكره بكميَّاتٍ غير محدودةٍ ، لقد أُستُهلِكَ الحبُّ ، ونضبَ ذاك الَّذِي ظنَّناه لنْ ينضبَ .





ابقَ بعيداً عزيزي ، حيثُ تتنفَّس السَّﻻمَ ، حيثُ تسيرُ دونَ أنْ تُقيِّدَكَ جاذبيَّةً أرضيَّةً ، حيثُ الغيومُ تحتضِنُكَ ويقبِّلُكَ المطرُ ، حيثُ النُّجومُ تسهرُ حولَكَ كأنَّكَ مولودٌ جديدٌ تتناقَلُكَ بينَ أذرِعِهَا وتستقبِلُ قُبُلاتِهَا المُضيئة ، فتصلُ إلى القمرِ ويدورُ هو ببطءٍ ليغفيكَ فتغفُو.





ابقَ حيثُ أنتَ ، في السَّماءِ ، حيثُ لم تولَدْ بعدُ ، أعترِفُ أنَّنِي كُنتُ توَّاقةً لِلُقياكَ مذْ كنتُ صغيرةً وأنا أدورُ حولَ أمِّي أُلِحُّ : "ألَنْ يأتي أخي.؟"





ذاك السُّؤال قد طمسَتْهُ ندوبُ الحياةِ وتوارَى وراءَ قروحِها ، فبِتُّ أخشَى على أبناءِ آدمَ من النُّزولِ ، كما أخشى عليكَ الآنَ..





عِشْ بينَ الغيومِ ، وسأستمِرُّ بإرسالِ سلامِي لسابعِ سماءٍ ، إلَيكَ ، مع الله .





وأنا أثِقُ أنَّ الملائكة تُقدِّرُكَ وتُقدِّرُ جمالَ روحِكَ الَّتِي ما نفخَهَا اللهُ فيكَ ، بل نفخَهَا في خيالِي ، وإذ بي أرسُمُ لكَ صُوراً سماويَّةً.





أدعُو لكَ كأنَّكَ شخصٌ غائبٌ ، وأشكُو شوقِي إليكَ للهِ ، أشكُو شوقي لأوراقي وأُصِبُّكَ بتفاصيلِكَ الوهميَّة في صفحةٍ بيضاء ، فيشتدُّ بياضَهَا ، يا لصفاءِكَ.!





أخالُكَ ملاكاً نزلَ عليَّ وأنا أهذي بارتعاشٍ : "زمِّلوني"





فتحتوينِي بجناحَيكَ وتهمسُ لِي ألَا بئسَ عليكِ يا أختي ، وأبكي ، فتمسحُ بكفَّيكَ وجنتيَّ لتتضجرا ، وترسمُ لِي ابتسامةً ما كانَ ليُجيدَ إخراجَها أحدٌ ، لكنَّكَ شقيقي ، والشَّقيقُ قاطِنٌ خافِقٌ شقيقه أبداً .





أنا الآنَ في غمرةِ ضعفِي أبحثُ عنكَ ، كما في كلِّ مرَّةِ .





أراكَ في النُّجومِ وفي سطورِ روايةٍ جميلةٍ .





أراكَ حيثُ السَّلام ، وأسمعُ صوتَكَ في النَّسيمِ تُداعِبُ أهدابِي وتُدغدِغُ أطرافِي .





أراكَ في الماءِ ، ببريقِهِ اللُّجينيِّ ، وأبحثُ عنكَ حيثُ الطَّبيعةُ صامتةٌ ، فأقتحِمُ بؤرةَ الهدوءِ بضجيجِي ، كأنَّنِي حملْتُ أصواتَ النَّاسِ جميعاً ، كأنَّنِي خرجْتُ مِن مستنقعِ بشرٍ ، وأعودُ ، كطفلٍ استحمَّ توًّا ، أعودُ قويَّةً طاهرةً ، وأبتسِمُ للسماء فأجِدُها تبتسِمُ لِي وقد احمرَّتْ وجنتَاهَا واختبأَتْ خلفَ الغيوم حياءً .





أعودُ وقد استبدلْتُ الحزنَ بالشُّكرِ لكَ..





أشكرُ كفَّيكَ وكتفَيكَ ، أشكرُكَ كونُكَ ملجأي ، وﻷنَّكَ تُشارِكُني الضَّحِكَ والبكاءَ ، أختُكَ الصَّغيرةُ تشكرُكَ وتودُّ أنْ تطبعَ على جبهتِكَ قبلةً كأمٍّ تُكلِّلُ ابنُها برضاها ، أشكرُكَ أنَّكَ أخي ، وذلك يكفيني ، بحقٍّ يكفيني .





أخيراً ، أخي.. يا حبيب أختكَ ، انتظِرْنِي بكلِّ نقائِكَ الَّذِي لم يمسسْهُ هواءُ البشرِ ، انتظِرْنِي بنورِكَ الَّذِي أكسبتكَ إيَّاهُ أبناءُ السَّماء ، انتظِرْنِي فأنا قشرةٌ مجعَّدةٌ أحوِي كتلةً من تراكماتِ البشر ، انتظِرْنِي يا عين أختكَ لتطهِّرني ، لتأخذَ بيدِي إلى القمرِ ، وتحيطني بوشاحٍ من الشُّهبٍ .





ﻻ تنزلْ ، بلْ انزِلْ لِي سلُّماً أصعدَهُ إلى السَّماءِ ، حيثُ ليسَ بالضَّرورةِ أنْ تمتلِكَ جناحاً كي تطيرَ..





حيثُ الحبُّ والإيمانُ والطَّيرُ .





أختكَ الَّتِي تُحِبُّكَ





# شمس بَشبَش


إرسال تعليق

0 تعليقات