وداعي الأخير




وداعي الأخير :
مذ فارقتُكِ و الصُّداعُ لم يفارقني ، تهشّمت روحي عناءً و أنا أنامُ على صداعٍ و أستيقظُ على صداع...
الحروفُ تستهلكني ، تستنفدُ طاقتي فكيفَ أخبرُ اللّغةَ أنّني معدومةُ الطاقة أصلاً ...منذا الذي يرى روحَه تغرقُ أمامَ ناظريهِ و لا يسقطُ قلبه !؟..منذا الذي تتمزّقُ رئتاهُ و يبقى كبدُه حيّاً !؟..منذا الذي يطيحُ بهِ صداعُ رأسه و يبقى نخاعُه الشوكيّ ممدوداً أيا عموديَ الفقري !؟..مِلْتِ فمالَ النّخاعُ و انفجرَ الدماغُ صداعاً رهيباً يودي بباقي أعضاءِ جهازيَ العصبيّ.


لم يباغتني حدسي يوماً بنكبةٍ كهذه ، دُقَّ قلبي دَقَّاً عنيفاً لم يبقَ فيه شريانٌ لم يتمزّق..صارتِ الدماءُ فيهِ هلاكاً ...ركامُ منزلِنا يعيثُ بدمائه ... ، تغلِبُ على قلبي حجارةُ المنزل...ماذا لو استبدلتُ قلبي بصخرة !...بحجرٍ صغيرٍ من ركامِ قريتنا..لربّما أعيشُ بها أكثرَ من هذا القلب !...أقولُ " نعم ، أنا على قيدِ الحياة لكنّني لستُ على قيدِ العيش !.." إذ أنَّ ليسَ كلُّ مَن هو حيٌّ يعيش !..اليومَ ألقي عليكِ اللّومَ يا حبيبة بذريعةِ أنَّه حرامٌ علينا فراقُك ، تقولينَ لي " أنَّ الجميعَ مُفارق...أنّ الجميعَ نازح " أصمتُ و الصّراخُ يأكلُ داخلي ليتني صرختُ فيكِ مرّة و قلتُ لكِ أنّنا لسنا من الجميع...الجميعُ لا يتَّسعونَ لنا !..هم لم يذوقوا ما ذقناه...هم نزحوا لكنّهم لم يحتملوا الموتَ شهوراً كي لا ينزحوا...هم نزحوا ...نعم ، نزحوا بأوّلِ عشرِ قذائفٍ يا حبيبة ...تكادُ كلُّ القذائف التي نزلت عليكِ منذُ عشرِ شهورٍ تنفجرُ بي مجدّداً ...تطيحُ بي و تُخرِجُ كلَّ الصَّرَخاتِ و تُريحُني مِن هذا الغضب...هم نزحوا بأوّلِ عشرِ قذائف ، هم لم يحتملوا مئاتِ القذائفِ مثلَنا كي لا ينزحوا...تكادُ النتيجةُ تكونُ لُغماً يطيحُ بي خارجَ الكرةِ الأرضيّة فأصيرَ فُتاتاً في غلافها.


تحمّلي غضبي !..[ لم أغضب منذُ تسعَ عشرةَ عاماً كغضبي اليوم ] الآنَ أودّعكِ غاضبةً و نيرانُ الانتقامِ تَتَّقِدُ على أعضائي ...الآن أغادرُكِ غاضبةً و فكرةُ عدمِ العودةِ تُطبقُ على أنفاسي...الآن أتركُ ركامَكِ غاضبةً و خلايا رأسي تجتاحُ الكرةَ الأرضيّة مُغادِرَةً للأبد...
تحمّلي قنابلي أيضاً !...أنا أولى منهم أن أُلقي عليكِ القنابل !...أنا أولى منهم بدمارِك ، بخرابِك ، برُكامِ منزِلِنا...أنا أولى بكِ منهم...أنا أولى منهم بالأكسجينِ الذي سيتنفَّسونَهُ بك !


آلاء العمر

إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. منال الليثي9 يوليو 2020 في 6:15 ص

    ما شاءالله ابدعتي كتير يا ألاء حبيت المقاله لمستني كتير بتحكي شعور داخلي يعطيك العافية سلمت يداك
    دمتِ بكل ود🌸

    ردحذف