حَوِّل سرتُ إلى الضمير الغائب المُفرد المُذَكَّر نُطْقا، وأضِفِ التاء المَربوطة كِتَابَةً.
ذاكَ اسمي الرباعي، وهو آرامي الأصل ومعناه الفرحة والسرور.
باختصار:
أنا يا صَديقي، فتاة مزاجيَّة، عِشرينِيَّة الهَوى، وحُزَيْرانِيَّة الشَّقاء. وبصيغة نزارية فقد:
"ولدت..
في الواحد والعشرين من حزيران.
في ذاك اليوم المزاجي الذي
تصفر به الأض
ويطول النهار..."
أنا يا صديقي من عروس شَمالِ مَنْبِتِ الأحرار، من طَنْجَة الدولية، ومُلتقى البحرين. أمازيغية حُرَّة، وَرْياغْلِيَّة أصِيلَة وحفيدة المُناضل عبد الكريم الخَطَّابي. لذا فأنا خارِجَة عن القانون، مَجنونة من مَجانين الحُرِّيَة، وأَنيقَةُ التَمرّدِ ولا أَبْلى.
يقول نزار مرة أخرى لتعلقي به، منذ أن كنت في الصف الرابع: " إذا تخليتُ عن عشقي .. فلست أنا."
وأقول بصيغته مرة ثانية: إذا تخليتُ عن حُلمي.. فلستُ أنا.
حلمي كل ما يهمني، أطمح إلى تحقيقه بأي ثمن، لكن الوصول إليه شاقٌّ، شاق جدا..
وكأي حلم، الطريق لتحقيقه الدراسة والتعب والجد. إثراء المكتسبات، إغناء الرصيد المعرفي والقراءة المستمرة. لتقوم فالنهاية باختبارات متعدد تُخَوِّلُك لأخذ شهادات معترف بها بالنسبة لهم، وتافهة بالنسبة لي.
فلا شيء يعكر مزاجي سوى تلك الإختبارات الغبية، التي لا معنى لوجودها أصلا، كيف يُقَيَّم شخص بامتحان ما، في وقتٍ محدَّدٍ منذ بداية السنة. بِحيث يُعطونه أهمية وقُدسية عظيمة، وهو مجرد امتحان فقط. يُرعِبوننا منذ نعومة أظافرنا بالإمتحانات. وأنه علينا أن نكون مُتفوقين آخذين أعلى العلامات. ناهيك عن فترة الإمتحانات التي تُعْلَن فيها حالة الطوارئ، ويَتَوقَّف الهَرج والمَرج والخروج للتنزه، حتى استقبال الأقارب يكون ممنوعا. يَظنُّ الأهل أنهم يخافون علينا وعلى مستقبلنا، ولا يدرون أنهم يرعبوننا، يخيفوننا ويدمرون نفسياتنا.
كَبُرت وكَبُر معي قلقي من الإمتحانات وتَطوَّر حتى تَحول إلى فوبيا. فمُجرد ذكر كلمةِ امتحان، تَنتابني حالة من القلق والهلع، والخوف مما سيحدث.
أفكر مِرارا وتِكرارا في ذاك الموعد الفاشل المحدد، أعمل بِجد، جُهْدٍ وخوف من النتائج. ذلك ما جَعلني مُترقِّبَة و مُدَقِّقة في أغلب الأشياء حَولي. سَبَّبَ لي خوفي عدم الثقة، التي طَوّرت مهاراتي في مُلاحظة تَفاصيل وحركاتِ من يحدثونني. ليَزداد الأمر حدة لدي، فأصبحتُ أدقق في وجوه المارة والعابرين. أحاول قراءة ما يجول بخاطرهم، أحاول قراءة ملامحهم وما بها من معنى، وما رسم الزمن عليها من قسوة. لا أفعل ذلك مع الجميع طبعا فأنا لا مبالية بما يجول حولي، لكن فقط من يلفت انتباهي، ولا يلفت انتباهي أي شخص أو أحد.
أعلم، أعلم أنك قد لاحظت تناقضي، وتلك مشكلتي المخيفة أيضا.
اليوم لم أُعر أهمية لأي كان داخل الحافلة، اعتليتُ مقعدي وجلست بجانب النافذة أفكر فيما حدث وما سيحدث غدا. فقد أنهيت للتو اختباري الغبي سأكرر ذلك للمرة الألف، حتى لا تَنْسى.
قصدتُ المكتبة لأُتِم مراجعتي لامتحان الغد. وأنا صاعدة الدرج التقيت بفتاة يبدو عليها الصِغر، رغم أن ملامحها كلها مغطاة، حتى عيناها لا تكادان تظهران تساءلت لم فتاة بهذا الصغر ترتدي النقاب وتخفي ملامحها أهي فاتنة لهاته الدرجة!
فجأة نَفَيْت كل افتراضاتي، وقلت ربما تكون كبيرة في السن، وما دخلي أنا بالموضوع أصلا..؟
أخذت مقعدي بعيدة عن الجميع لأركز في مذاكرتي. بعد ساعة من الزمن على أقصى تقدير رأيتها قادمة استعارت كتابا، فَتأكَدَّتْ فرضيتي أن الفتاة ما تزال صغيرة في السن وبالضبط في سن المراهقة.
تساءلتُ كَثيرا وانتابتني الشكوك حول الموضوع، حين رأيت نظرات سارحة تائهة، رغم الكتب التي بجانبها والتي تلقي نظرات عليها بين الفينة والأخرى.
لازلت استجمع جرأتي لأذهب للحديث معها، لا ليس فضولا بل صراحة استفزتني، واستفزني الأمر بطريقة غريبة، رغم أنني لم أكن ممن يعيرون الإنتباه لأحد ولا أحد يهمني، وأحترم جميع المعتقدات والأفكار رغم اختلافها.
في لحظة التساؤلات الكثيرة التي تدور ببالي، كيف، ولِم، ومن السبب، وهل بإرادتها، وكيف لمراهقة أن تقتنع بالنقاب؟ وكيف سأبد الحديث؟ وماذا سأقول؟ وإن قالت ما شأنك؟ ومن حقها ذلك، فما دخلي أنا في كل الموضوع، فالدخول في خصوصية أي شخص تصرف لا أخلاقي بَحْت، وغير لبقٍ أبداً.
تقوم فجأة من مكانها، وتعيد الكتابان اللذان استعارتهما وتعود لمكانها. تباعتها أنا بنظراتي لأحفظ مكان الكتابين، عَلِّي أعرف ولو شيئا بسيطا يرشدني.
الكتاب الأول صدمني وكان كفيلا بأن يقطع الشك باليقين، فتاة تدرس في الصف التاسع منقبة؟! ومن الذي يدعوها لذلك؟!
وكيف لها التعايش في مجتمع نصف إسلامي؟!
و الكتاب الثاني كان باللغتين الفرنسية والإسبانية يتحدث عن الثقافة والفنون والطرب بالمغرب بجميع أنواعه، الطرب الغرناطي وفن الملحون والعيطة وما إلى غير ذلك..
عدت لمكاني ولازلت مصدومة مما تأكدت منه.
أما هي لأني لم أزح عيناي عنها، بدأت ترمقني بنظرات استغراب وتساؤل. أزحت عيناي عنها لأكتب هاته الأسطر. والآن وأنا منغمسة في التعبير، كلما رفعت رأسي نحوها أراها تنظر إلي وكأنها تنتظر مني شيئا. كأن أبادرها بالكلام، لتستفسر عن سر نظراتي لها وتشرح لي لم ترتدي النقاب. أو ربما تنظر إلي باشمئزاز لأني اقتحمت خصوصيتها، أو لأني لست محتشمة مثلها.
أعلم أن لباسي ليس كما هي، لكني على الأقل لست متبرجة ولا أرتدي ملابس فاتنة.
بعد قليل، جمعت أغراضها وذهبت إلى حال سبيلها. لكني على يقين وأمل كبيرين أني سألتقيها مرة اخرى لم؟ كيف؟ أو أين؟ لا أدري ولا يهمني أن أعلم، المهم أني سأراها مرة أخرى ولا أدري ما قد يحصل.
أظنك الآن عرفت أن التحري ،تقصي الحقائق، وتدوينها من خاصياتي أيضا. وهذا قد يساعدك في التعرف أو استنتاجِ الحلم الذي يُؤرِّقُ مَضْجَعي، والذي بسببه أحبَّني الليل، حتى سكن منطقة عيوني.
سارة بوغليضي

0 تعليقات