رسالة منسية | إلهام أغا




١٧ • يونيو • ٢٠٢٠


١١:٣٠ مساءً


حُباً ، وودّاً وشوقاً إليكَ ، مُحملاً بشذى اسمكَ العطر ذو الحروف اللازوردية ..
أما بعد ، عزيزي المجهول ، كيفَ حالك.!؟
تُباغتني ذكراك كثيـراً في الفترة الأخيرة .
أقلقتني كثيراً وجعلتني أفقد لذّة النوم .
جعلتَ مني أشياء كثيرة معقدة غير واقعية ، غَير واضحة لأي أحد .
آلمتَني للغاية ، رُغم أنك لم تفعل شيئاً يُذكر .
جعلتَني كثيرة التقلب في المزاج .
جعلتَني أشعر بالفراغ الكبير ، كصحراءٍ خاليــة .
جعلتَ مني قلماً عقيماً كُسر قَطعتين .
جعلتَ مني ساعةً تالفةً توقفت عند لحظــة فِراقكَ .
جعلتَ مني جُثــةً هامدة ، جسداً بلا روح .
رُغم أنك كَسرتني ، لكن ما زال وصف شعوري معكَ شيئاً لذيذاً للغايـة .. نعم ، لذيذ رُغمَ أنهُ مؤلِم .
لن أدعوكَ بالمَنسي ، فأنتَ لا زلتَ تتخلل اللحظات والثواني بأسرِها .
لا زلتَ شمساً للنهار ، وقمر الليل ليومي .
أتعلم !! رُبما الجمال بِحد ذاته لا يكمن في الجمال ، بل في الألباب .
عُمق الأشياء ، أصلها ، جذورها ، هو ما فيه الجمال ، حتى وإن كانت أشياء حزينة .
الأشياء الحزينة التي في جوفي كان فاعلها جميل ؛ لذلكَ هي جميلة .
في كُل مساءٍ يطّل عليّ أشعر بطيفك الخفي .. يرافقني ، شعور لا نِهايَـة هو شعوري تجاهكَ
الآن . . .
نَبضاتي تغير إيِقاعها ، أصبحت تنبض بإيقاعٍ جديد ،
عزيزي أياً كَان شُعوري ، أنتَ الوحيد الذي سببته ،
لا أستطيع أن أُقصي قلبي عنك ، فأنتَ تظهر لي في كُلِّ الوجوه التي أمامي .
رغم أنك لا تقدم لي إلّا الجراح ، الندوب ، والهالات السوداء حول عينيّ ، أصبحت مشاعري للسائحين الآن ، كلاً منها يحكي قصتنا الخرافيـة ، تلك القصة التي لا أعلم كيف ستكون خاتمتها .
لا أستطيع .. من المستحيل هذا أتخيل كيف ستكون الخاتمة ، أحاول بشتى الطرق ألّا أعود لذاك الشعور ، لتلك الحالة العقيمة .
لا أعلم ماذا سأكتب لكَ!
أحتاج لجِسرٍ لا وجود لهْ ، جسراً تعبر من خلاله كلماتي إلى عمق عقلك ، ولكن الجسور سقطت قبل أن نُكمل بُنيانها حتى ، وماتت الكلمات كالأجنّة في رحِم اللغات قبل أن تولد ، لتعبر جسراً لم يكتب لهُ أن يشيّد ، وعقلك يرفض أن يستوعب كلماتي التي يصعب عليّ تفسيرها لك ، وها أنا منذ زمنٍ أحاول أن أرسم كلماتي على الورق القديم هذا محاوِلة أن أُعبّر عما يعتمل داخلي ، لكنني رغم ذلك لم أستطع أن أخبرك بشيءٍ حتى الآن ، يقال أنه بين ولادة الفكرة وتدوينها على الورق يسقط شيء ما يمنع وصول الفكرة بالمعنى المُراد .
كانت كُلّ مخاوفي أن أعود إلى النقطةِ التي حاولت جاهدةً الهرب مِنها و تخطّيها ،وعُدت ، نعم عُدت ، رغم أنني حاولت كثيــراً ألّا أعود ، ألّا تنتهي حالي على ذاكَ الطريق الشائك .
أُخرج دفاتري وأوراقي ورسائلي ، وحتى قلمي ذا الحِبر الأزرق القديم ، وأقلِّب بينها فلا أجد فيها سوى أنت .
أنا التي كنت ألوذ بالكتابة للهرب من آلامي ، أركُن يداي على الورق الأصفر الباهت ، فتقودني يداي لِخطِّ الرسائل المُرهفة لك .
لا أعلم ما هذهِ الحالة التي وصلتُ لها ، لكنها حالةٌ يُرثى لها .
المارّون بقربي رَقَّ حالهم لِحالي ، نعم رَقّ .
وَربّك ألم يرِقَّ حالك أيضاً ؟!
تختلي بي الذكريات لتلعب لُعبتها اللعينـة تلك ، تختلي بي فتُخرج أوراقها القديمة وتلقيها أمام ناظرَي ، فلا أجد ردَّ فعل سِوى انهمار المطر الأسود من عينيّ ، نعم … مطرٌ أسود .
النار في قلبي تشتعل أكثر من أيِّ وقتٍ مضى ، الرّوح تَصرخُ ألماً مدوِّياً ، التعب ، التعب ، أخذ مني قطعةً كبيرة ، وكل ما في عقلي يرفض أن يُذعن ذلكَ .
وأنتَ لا ترحم شوقي ، وقلّة حيلتي !!!
أهرب ، أهرب ، من ضيق الأشياء حولي ، من ضيق المدى .
لم تنتهي عبراتي بعد ، وقلبي من جراحِهِ يكاد ينطفئ .
الصور التي تتكررّ بمخيلتي مُكتظة بكَ بشكلٍ لا يُعقل .
الأحداث التي تتتَابع تفقدنيِّ صوابي .
جعلتني أقِفُ عند مُنعطفٍ ، لا أدري أي طريقٍ أسلك !
الحياة أَخرجتْ مِنْ الأوراقِ السوداوية ما يَكفي ، ولا أعلم ما بِجُعبَتِهَا بعد .
غريبة هي أسباب القهـر تلك ؛ ما تكادُ تُظهر لنا شيئاً جميلاً يُضحك ثَغرنا حتى تُخرِج وسائلها المُرَّة لتُنسينا في أيّ وقتٍ رَسَمنا بسمةً على ثغرنا .
نعم .. ربما مِنْ كثرة التفكير أصَابنِي مَسٌّ مِنْ الجنون ، أصابني صَمَتٌ رهيبٌ بشدة ، أنا التي كنت الأشد صخباً وثرثرة ، أصبحت من إحدى التماثيل الصامتة ، التي تتجمد ، جماد هذا ما آلت إليه حالي .
أنتظر صامتة ..
لن ألومك ، ولن أنقضك ، ولن آتي بأي حركةٍ كانتْ .
لن أتلَفَّظ بأيّ كلمةٍ كانتْ .
لن أكسر ، ولن أحرق .
لن أمزق ، ولن أصرخ .
لن أقتل ، ولن أفعل أي شيء ..!
سَأقف ..فقط سأقف ، وأنتظر ، حتى تأتي تلك اللحظة ، تلك اللحظة التي لا أعلم كيف أرتب وأُنمّق الحُروفَ لِوصفها ، لا أعلم كمْ سَتطول المُدة ..لا ، لا أعلم ، وربما باطنياً لا أريد أن أعلم .
لكن ..
سأنتظر ، فلا يسعني فعل أيّ شيءٍ سوى ذلك .
في الخِتام ، لا يسَعُني قولُ شيءٍ كان .
فسلامٌ معبّقٌ بِعبقِ حروف اسمكَ الّلازوردية ؛
عزيزي المَجهول .



إلهام عمر آغا

إرسال تعليق

0 تعليقات