خیانةُ وطن | هديل المیدنه


 








ضوءُ سیارتِه المرتعشُ، و(ماتورها) صاحبُ الصوتِ الصاخبِ، وصوتُ عجلاتِها البطیئةُ تصطَكُ ببلاطِ شارعِ الحارةِ الضیقِ یهدرُ منغص وشوشةُ اللیلِ للقمرِ، وحركاتِه الدقیقةُ المتمرسةُ في غلقِ بابِها خشَیة وقوعهِ





 للمرةِ السابعةِ بعدَ المائةِ؛ جعلَها تنفضُ رأسَها المرتكزُ على حافةِ نافذتِها محدّثة نفسَها قائلةً بقيَ أربعةَ وعشرونَ دقیقةً وثلاثةَ عشرَ ثانیةً..





-           أتَرى هذا العجوزُ الذي تجاوزَ الستینَ یدري بما یحدثُ بعدَ مجیئِه بنصفِ ساعةٍ إلَّا، أم أنَّه هو الذي یدیرُ هذا كلَّهُ. 





-           ما الذي تهذینَ به؟! 





-           بنفسِ التوقیت یوماً بعدَ یوم أراهُ یدخلُ بیتَه بعدَما ینتصفُ اللیلُ؛ وبعدَها بثمرةِ وقتٍ أرى منظرٌ یهیم قلبي حباً بهِ، وأتضورُ شوقاً لرؤیاهُ





-           مرةً أخرى.





-           ترى ما المنظرُ الذي سلبَ فؤادُك حبي؟! 





-           بقيَ دقیقتین وتسعِ ثوانٍ تعالي وألقي بنظرك.





 ....





كسدٍ منیعٍ بلونِه الصحراوي مصفوفٌ كأنَّما سَمِعوا منادٍ یُنادي ﷲ أكبر فلمْ یخرجُ من الصفِ أحدٌ منهم، ویمشون رافعي الروؤسِ متیقنین بأنَّهم جنودَ ﷲِ في أرضهِ. 





مشهدٌ اعتادَ نظرُ حبي علیه، ولكنَّه لم یكنْ عاديٌ بالنسبةِ لأختِها الصغیرةِ، على الرغمِ منْ حفظِها لهذا المشهدُ ولكلِ حركةٍ بهِ وبأيِّ دقیقة تكونَ هذه الحركة؛ إلا أنَّها لمْ تستطعْ النومَ دونَ مشاهدتِه؛ كیفَ تنعمُ بالنومِ وقلبِها باتَ یخفقُ بفرحةٍ لرؤیتِه، كیفَ لعینیها أنْ تنطفئُ بعدَما برقتْ بلمعةٍ لا مثیلَ لها !ٜ





لم تكنْ تعرفُ أيُّ كوكبٍ من الاحدى عشرَ كوكباً الذین أمامَها؛ ولكنَّها دونَ سابقةِ مودةٍ شعرتُ وكأنَّ روحَها قد بلغتْ الحلقومَ، وقلبَها یرجفُ خوفاً لا تعرفُ كنهَه، أخذتْ عیناها تجولُ بینَ السماءِ وبینهم، وهي تبحثُ عن صوتٍ یسیرُ بینَ وریقاتِ الشجرِ، بكلِ خفةٍ یسحبُ أجزاءَ بندقیةٍ صریرِها أهلكَ أذنیها وبعد ثلاثةِ ثوانٍ مزّقَ أحشاءُ أحدَهِم؛ لا تریدُ التوقعَ أو الحلمَ حتى، أرادتْ تكذیبُ حاسَتُها السمعیةُ القویةُ، دعتْ ﷲ في خدرِها وأكملتْ تهجدُها بعدما أغلقتْ نافذتُها وعقلِها عن سوءِ خَطَرٍ على قلبِها.





وأيُّ سوء أجلّ وأمر مما استكانَ بینَ یديّ رفاقه، وأيُّ سوء أعظمُ من رفیقِ صباحِك وعدو لیلِك، وأيُّ كرهٍ أُبلغُه قلبِه لیدفعُ یدُه لفعلِ موبقة وكبیرةً من الكبائر.





اختلطتْ دموعِها بسجادةِ صلاتِها وسلمتْ وجهها ﷲ وسبحت، وخرجتْ تسألُ أخیها سؤالًا یلحُ علیها، -ولیتها ما خرجتْ- لم تجدهُ؛ وكأنَّ كلَ آلامَ العالم سكنتْ بأضلُعها، عَمَت عیونها الدموعَ المتحجرةَ، وصُمّت أذنیها عن سماع هسیسٍ بعد منتصف اللیل، وبكِمَ صوتها عن صراخِ ما شعرتْ به، تحركتْ بكلِّ رجفةٍ ملأتْ أعصابُها متحاملةً على نفسِها لتصلَ لغرفةِ والدیها، أشارتْ لهم دون نبسِ كلمةٍ. 





فجأةً دبتْ الحیاةَ في عروقِها، ونهضت تتعثرُ بثیاب صلاتِها لتذهبَ نحو نافذتها، تتأكد من سماعها لصوتٍ تدركه جیداً، بكلِّ تمرسٍ أغلِق، لمحته وهو یدسُ المِفتاح في جیبه، كانَ بین وقوف سیارتِه وبیتهِ أكثرَ من أربعِ وعشرين خطوةٍ وهو رجلٌ ستیني عجوزٌ أهلكتْ السنینَ قدمیه القذرتین، بكل مهارةٍ أحكمتُ حجابها وركضت نحوه ووالدیها خلفَها لا یدركون ما الذي تفعَلهُ، كان یبعدُ تسعَ خطوات عن بیتهِ حینَ أمسكتُ به وهي تصرخ وعیونها تنزفُ دماً على أخیها قائلةً: أخرج المِفتاح الآن یا جاسوس  





خیانة وطن ( بطل قصتي الشریر)  هدیل سفیان المیدنه


إرسال تعليق

0 تعليقات