كُنتُ عائداً من مقرِّ الحياة المرفَّهة إلى تلك الحياة المعتوهة الَّتي كانت تُلاحِقُ برَّ أماني ، تُلاحِقُ سرمديَّةَ عشقٍ محفوفٍ بنفَحاتٍ عطِرَةٍ ،
كانت دُنيتي مُترفة جدًّا حيثُ أنَّني أمتلِكُ كلَّ شيءٍ ، ولكن في ظهيرةِ الخامس من كانون الثَّاني سُرِقَت منِّي أثمن ما أملك! إنَّها حُرِّيَّتي.
كَانتْ ذو طابعًا رائعًا وطبعًا خلَّابًا وجذَّابًا ، كانت ترسُو في ميناءِ عشقي ، وتُبحِرُ في بحرِ العذابِ المصحوبِ بلونِ العتابِ الأزرق ، كانت تقولُ لي يا ساحرَ المقلتين والجيدِ ماذا فعلتَ كي أقعَ في حبِّ سحرِكَ المعقودِ ، كانت تداعِبُ خيالي بضحكاتٍ مترنِّمة وتُغنِّي مع طيفي بلحنٍ شجيٍّ ، وفي يومٍ كانت على سطحِ غمامةٍ بين تلك السَّماء العالية ، انقضَّتْ عليها روحي الخرقاء كأسدٍ ينهش لحمًا ، أخذتُ أضربها كذلك الوحش المفزع ذو الأنيابِ الحادَّة الَّذي يأكلُ دون أنْ يَرفَّ له جفن ، وهنا قُيدتْ حياتي بتلك الجثَّة ، وبعد أنْ نهشتها وبقي منها العظام فقط ، أسقطتُها في بحرِ النِّسيان وقلتُ لها غادري هذه الحياة فلا أنا مملوكٌ لكِ ولا أنتِ مالكتي..
والآن وبعد عشرة أعوام من السَّهوِ التَّامِّ وبعد رحلةٍ طويلةٍ في بحرِ تأنيبِ الضَّميرِ المقرفِ الَّذي بات يأكلني ويُقيِّدُ معصمي ويجعلني أسيرًا جرَّاء ما حصل.
في كانون الثَّاني الشَّهر الَّذي باغتني لكي يضربني بالأنين في كلِّ جانب من جوانب قلبي المتلف ، رأيتُها هُناك تسفكُ دم شهداء الحُبِّ بكلِّ راحة كما سُفِك دمها في ليلةٍ لا قمر فيها ، تأمرُ العُشَّاق أنْ يكفُّوا عن طلبِ الحُبِّ كالجياع والعطشى ، تأسرهم كي يتعلَّمَ المغفَّل منهم كيف يكون مِلكها لا مملوك عشيقته الكُبرى ، تستلذَّ بقهرهم وتكبسُ على جراحِ حُبِّها وتسدّه بقطع قُماشٍ أو ربَّما خِرقًا ..
ومن ثُمَّ رأَتْ مَن جنى على نفسه وكان جانٍ في حقِّها ، أقبلَتْ نحوي وهمسَت في أذني أنا لستُ بتلك الخرقاء الَّتي أحبَّتك وكنتَ عبدها بل أنا طيف خطيئتك وأنا مَن ستحرِّر سجينتك الثّكلى، أنا الَّتي ستأخذُ حقَّ موتِها والَّتي ستُلاحقك كخيالك وربَّما سأبقى.
أنا مَنْ ستقبضُ عليك متلبِّسًا في ظهيرة الخامس من كانون الثَّاني وأنتَ تُلقي جثمانها من أعلى طابقٍ في بنايتك لأنَّها قالت حقيقتك المرَّة الَّتي حتَّى أنت لم تقدر على تقبُّلها ، أنا مَنْ ستحكم عليك بالإعدام شنقًا حتَّى الموتِ ، أنا الَّتي ستأخذُ حقَّ مَنْ كانت لك حياةٌ أُخرى..
كفا عبدالله الرفاعي

0 تعليقات