سم البنفسج | تسنيم الموالدي




هائجة ، نعم هائجة كما خدُّ العصفورة قُصّ بالمشرط .
مسلوبة ، كما الحمل يهرول خلف رجل يمتص دماء ابنها أمام أعينها .
مُقتـلـَعة ، كما الروح تُقتَلَع من فرط سكراتها .
أبسط يدي باتجاه السماء فأجد وجنتا السماء تقترف ذنباً عظيماً مع المطر ، نعم .. كانت لسعات الرعد تُوقِظ كل نجمة على طلقةٍ مدوِّية تسلبها رائحة السلام .
ثم اجتزت الحائط بخفة ؟ حائط الوهم الذي كان متربعاً خلف السحابة الثلاثين
كنت أركن كل يوم بجانب ذاك القصر ؛ قصر بُنِي من دماء الحروف ، حروف لم تستطع أبجدية آدم أن تنطِق جُزءاً ولو يسيراً من حائط من حوائطه .
تركت العراك قائماً بين ذاتي وداخلي وهربت إلى الغرفة المائة والألف في داخل ذاك القصر المركون بجانب حوض عند السماء السادسة .
أخذ عقلي يسترسل النظر في الحائط ، فقد كان السواد يكسو كل حائط من تلك الغرفة .
نعم .. كل ذكرى تجمعني بهذا الحائط استلهمتُها في تلك اللحظة عندما ضممته ورويتُ له قصة فقداني لذاتي ودموعي التي دَنَتْ من عينه فبات متقلِّب المعصم ؛ هنا وهناك يضمني كي أهدأ .
أنا التي قتلت نفسها في عُـمُـرِ السابعة ، وأخدت أجلي على المنضدة ببرود شفتاي أقبِّل ثغر المطر ، وتلك السحابة السوداء التي اجتازت نصف المحيط ودَنَتْ من رقبتي تبتلع ما استطاعت من دمي .
نعم .. أنا الفتاة التي أخذها الغموض بين أحضانه حتى ابتلعها علقة علقة .
أنا تلك التي تحتويها نقطة أجل .. نقطة واحدة كافيـة بأن أشرح لك ما بي .
ألا تكفيكِ ؟ رغم كونها تشبه المضغة لكنها كمجرة مبتعدة .
أنا منهكة ، منهكة بقدر النقطة ، أخالني لا أجد الحل لكني استقللت من تلك المهمة ؛ مهمة البحث عن حل لهذه المشكلة .
أنا ضئيل الروح لكن التعب الذي يستميل اتساعي كان أقرب للسماء ، أشلاء روحي أراها في منتصف النجمة السبعين والألف ، وتلك الأرجوحة التي تروي قصتي مازالت مهترئة كما عهدتها ، لكن عهدي السابق أتى مرة أخرى وذهبت إليها من جديد .
أخطو للمسار القديم مرة أخرى … أقلَعُ رصيف مجرتي لأنسى الطريق فأجد سلماً شديد الوثاق ، ومعصماي الخياليان لا يستهويان قطعه ؛ كمن لُفَّتْ حول عنقه أشواك زهرة البنفسج التي لا تُرى مجردة .
نعم .. كانت تؤلمني كما وجود السرير في منتصف زورق مخلوع الأطراف في وسط البحر .
كنت ألفّ كل يوم حبل مشنقتي لكن يداً من تلك الزهرة كانت تمتد حتى تمنعني ، أنا التي عاهدت أن أكون كما الثانية ، نعم .. الثانية عشر من الليل ؛ حيث نهاية قناع السعادة .
لا ضوضاء ولا ضوء ولا أيٌّ من الخَلْق .
أأضحك على نفسي!!
من أين اختفت الضوضاء وكلها مزدحمة في العقل والقلب في آنٍ واحد حتى كدت أشق خيطاً من معدتي لتخرج ؟
وأين ذهب الضوء وعيناي تراه كل ليلة…!!
ضوء الهاتف الذي أسجل ما مررت به كانتشال الشوك من الزهرة .
وأين رحل الخلق وأنا مدمجة القلب والفكر في كل كلمة قِيْلَت ووجه الخداع يسيل كما الموت يزفر آخر زفرة!!
كل ذاك لم يكن شيئاً ، فبعض الشعور لا يُقلَع لشدة أثره ، لكنني صعدت حيث النجوم وبدأت أخطف واحدة وراء الأخرى .
تلك التي أخبرتها يوم خُطِفتُ في العاشرة ، وهذه النجمة من أخبرتها يوم ضياع أخي ، ولا أنسى تلك من كنت أخرج كل مساء أخبرها بمرضي .
كنت قد خطفت كل النجمات ووضعتهن في قارورة أشبه بزجاجة البنفسج كي أسممها فلا يدري بها أحد ، بعد ذلك ، سحبت ذاك المعطف الأبيض الذي احتكته عندما كنت أنظر للسماء في ليلة مطيرة والريح تصفع خدَّيْ الغيمة ، كنت أحيكه وعيناي على الغيمة ، وبينما أنظر دخلت السنارة في إصبعي ولم أشعر ، وانسابت عروقي كسلسلة تزين بألوانها المعطف حتى بات كلون قوس قزح سُمِّي .
نعم .. كانت السموم في داخلي مُحاكة بورقة من السم الأزرق الذي لاشفاء له أبداً .
حكت العروق ، وحينما انتهت العاصفة تدلى قلبي كعقدة تربّعت في منتصف المعطف ؛ والآن حتى لاحظت ، حسناً لا مشكلة ، مادام الشعور قد ارتطم بالطيبة فلا ضيم ولا ضرر .
من قال أني أعيش بقلب واحد!!
كان ذاك المعطف ينبض عني في مقتبل العمر ، حكته بعروقي وأسدلت له كل ما أملك .
أن ذاك المعطف لن يموت ، لن يموت أبداً ، انتظريه في الليلة الحادية والعشرين من شهر ديسمبر ، سيكون حدّ الغيمة الثلاثين تحت سماء ذاك الشهر ، سيكون بانتظارك فبه كل ما أردت أن أخبرك به .
يا فتاة البنفسج ، تكفيني نقطة .

تسنيم الموالدي


إرسال تعليق

0 تعليقات