امرأة من الخيال | هيا عز الدين


امرأةٌ جميلةٌ لها عيونٌ واسعةٌ لكنَّها شاحبةٌ بسببِ ما يجري معَها

تنظرُ لها النَّاس على أنَّها مُتكبِّرةٌ ومبدعةٌ وهادِئةٌ .

إنَّني أفتقدُها في كلِّ ليلةٍ على أنْ تأتيَ بيومٍ قريبٍ جدّاً.

أراها على الجدار وكأنِّي أراها شرِّيرةٌ تحاورني ، تخاطبني بصوتٍ خافتٍ مريبٍ : "اتركي العالم"

عندما تأتي النَّاس تشبِّهُكِ بالجنِّيَّة ، ويقولونَ عنكِ مريضةٍ نفسيَّةً ، هلْ علِموا لماذا كل هذا السَّواد ؟!

سبب هذا السَّواد هو فقدها لطفلِها الصَّغير ..

كانت تحضِنُ الألمَ على أنَّه ابنها الوحيد

في كلِّ ليلةٍ تذهبُ إلى غابةٍ مليئةٍ بالأشجارِ الضَّخمة المُرعِبة ، تجلسُ في ظلِّ هذه الأشجار وتتحدَّث لولدِها أينَ أنتَ ؟! ... تُواصِلُ لا تقلقْ فأنا هُنا سوفَ نذهبُ إلى البيتِ سويًّا ... قُلْ لي أينَ أنتَ ؟!

للأسف الخيال كان مزروعٌ في قلبِ هذه المرأة أتَتْ أيَّامٌ وذهبَتْ أيَّامٌ ، تجلسُ في نفسِ المكان لتراه ، من كثرةِ بكائِها سمِعَت صوتاً يقولُ أنا هُنا ركضتْ تتبع الصَّوت من كثرةِ لهفتها لابنها خاب الأمل ظنّها تقول بينها وبين نفسها إنَّه سيأتي أنا متأكِّدة مازلت أنتظره كلَّ يوم في نفس المكان دعيني أيَّتها الحياة أرى السَّعادة لأوَّلِ مرَّة يكفي حزناً.

بعدَ غيابٍ طويلٍ

استيقظتِ المرأةُ ثلاثينيّة في العمر ، نحيلةُ الجسدِ ، شاحبةُ الوجهِ ، استيقظتْ بعدَ نومٍ تتخلَّلهُ نوباتٌ من الهلع ، على صوت أقدامٍ تمشي بهدوءٍ بالقربِ منها ، كان لِصدى الخطواتِ الهادئةِ في قلبِها خوف وقلق.

حدَّقتْ بعينيها متلفِّتة يمنةً ويسرةً ، لكنَّها لم ترَ أحدٌ قطْ.

حشرتْ جسدَها النَّحيل في زاوية غرفتها الصَّغيرة والمظلمة إلَّا من خيوطِ الشَّمسِ الَّتي تسلَّلتْ عبرَ زجاج الغرفة المكسور ، جلستْ خائفة تتكوَّر على نفسِها .

تقولُ بصوتٍ يرتجفُ خوفاً: "مَنْ هناك؟!"

شَردَتْ لِبرهةٍ من الوقت ، وقعَتْ عينيها الشَّاحبة على فراشةٍ ملوَّنةٍ كانت تتطاير بالقربِ من خيوطِ الشَّمسِ المتسرِّبة من زجاجِ النَّافذةِ المكسورِ .

رأتِ الفراشةَ وكأنَّها تطيرُ بالقربِ من البحرِ ، على رمال الشَّاطئ.

تخيَّلتْ أنَّ الفراشةَ تخبرها بشيءٍ من خلالِ أجنحتِها وكأنَّها تُشيرُ لها على مكانِ ولدِها .

هكذا ظنِّي بها فالألوان الموجودة فيها تدلُّ على خيرٍ قادمٍ ، ذهبتْ لترى ماذا يوجد هناك بالقرب من البحر.

نظرتْ في المدى البعيد وفي أفقِ البحرِ حيثُ نقطة تلاقي السَّماء والبحر .

لكن لم تجدْ أحداً ...

ثمَّةَ ابنها المتوفِّي ، غارقٌ بالبحرِ ولكن كان الموج الهادِئ يحتضنه ... تسمعه يقول لابنها : لا تخَفْ أنا معكَ عليكَ أن تصرخَ بصوتٍ عالٍ لتسمعَ صدى صوتِكَ أمُّكَ وتأتي وتأخذُكَ .

كانَ الابنُ لا يصدِّقُ الموجَ ، كانَ خائفاً من غدرِه ناداهُ لا تقلقْ أنا معكَ صدِّقني.

في اليوم التَّالي ذهبتِ المرأةُ تمشِي في طريقٍ طويلٍ وتبكي وتُنادِي أينَ أنتَ سمِعتْ صوتاً يُنادِي أنا هُنا يا أُمِّي دعيني أراكِ نظرَتْ بتعجُّبٍ حقّاً..!! ابنها يتمايلُ به الموج هناك ، ركضَ الابن بعد أن وضعَهُ الموجُ على رمالِ الشَّاطئِ .

فالله يُعطي الصَّبرَ والقوَّةَ لعبدٍ يحِبُّ الأملَ

فأنا سعيدةٌ بلقائي معكَ

لأنَّ الحياةَ تحلُو باللِّقاءِ .


هيا عز الدين


إرسال تعليق

0 تعليقات