كانت عيني أسامة قد اتسعت من هولِ المفاجأة ليقومَ برمي الدفتر القديمِ أرضاً ويجلسُ إلى جانبهِ لمْ يكن يَبْكي أو حتى يُبدي ردةَ فعلٍ ولم يكن ليتوقعَ بأنَّ قراءةَ ذكرياتِ والدتهِ قد تَقلبُ الأمور من وجهةِ نظرهِ رأساً على عقب مضت عدةُ ساعاتٍ ولم يتنبّه لوجودِهِ أيُّ أحدٍ من العاملين في هذا القصرِ المتواجدِ على ضفافِ نهر *أوتوا* الجميل القابعِ في كندا وتحديداً بينَ مدينة كيبيك وكانتا داخلَ العاصمة حيثُ جميعُ من في الأرض كان يتمنى حياةً مثل حياةِ أسامة ظاهرياً إلا أنهُ كان يتمنى العودةَ إلى دمشق الياسمين، وليْتَهُ يستطيعُ العودة لكنَّ الحربَ التي أخذت منهُ كلَّ شيء. له داخلها قد أنهت أحلامهُ بالعودة.
بعد عدةِ ساعات دخلَ إليهِ كريم بخطواتٍ متأرجحةّ ليجلس إلى جانبهِ وعيناهُ تبحثانِ في أرجاء المكان وكأنَّ هناك شيءٌ قد وقع منه وفُقِد منذ زمن
قال له أسامة بشكلٍ لا مبالٍ دونَ النظرِ إليهِ: كم مرةً عليَّ إخبارك بأن الوقت ما يزالُ مبكراً على تعاطيك الكحول!
ضحكَ كريم باستهزاءٍ وقال لهُ بفتورٍ وكلماتٍ متقطعة: حسناً بابا أسامة بالرغم من كونك تَكبُرني فقط ببضعِ سنوات لكن لابأس
هذه المرة إلتفت أسامة لكنهُ لم ينبس ببنت شفة بل وضع إلى جانبِ كريم الدفترَ القديمَ الذي كانَ بين يديهِ وتركهُ وغادر المكان، أما كريم فقد أمسكَ الدفترَ وعادَ إلى غرفتهِ وهو يمشي بخطواتٍ واهنةٍ بتثاقل حتى وصلَ إلى سريرهِ ليغطَ بنومٍ عميقٍ، بالرُغْمِ من الهدوءِ المخيف إلا أنَّ لا أحد منهما حاول سؤال الآخر عمّا يجري وكأنّهما يعيشانِ داخلَ عالمانِ مختلفانِ أم أنَّ كليهما قد اتفقا على عدم التحدثِ في هذهِ الليلة لكنها لم تكن من الممكن أن تنقضي سريعًا بالنسبةِ لكريم ولقد أمضى أكثرَ من نِصفَها على آلة النحتِ بينَ الطينِ والصلصال يعملُ على مشروعهِ في المعرضِ القادم بالرغمِ من عدم موافقةِ والدهِ ورضاهُ عن موهبتهِ
كانت الأجواء الربيعية والمناخُ المعتدلُ لكن أشعةَ الشمسِ الحارّة قد أيقظتهُ من النوم مما جعلهُ
يصاب بالدهشة حينما وجد شقيقهُ يجلسُ إلى جانبِ السرير متأملاً لهُ بصمت، نهض بفتور فاقترب منهُ أسامة واضعاً يدهُ على كتفهِ وهو يقول له بصوت شائب صباحُ الخيرِ كريم أعلم بأنَّ الوقت ما يزالُ مبكراً، ليلةَ أمس لم أكن قادر على التحدث ولم أستطع النوم إلى الآن يتوجبُ عليَّ إخباركَ بما يجري حولك كان صوتهُ يرتجفُ وعينيهِ غائرتان بالفراغ وقد نفرت الدموع من عينيه
أعادهُ للواقع يدُ كريم التي امتدت لتلامسَ وجههُ، هل لهذا الدفتر القديم علاقةٌ بما يحدث وما ستخبرني به قالها كريم بصوتهِ الأجش وهو يتفرسُ وجه أخيه، هزّ أسامة رأسهُ وناوله إياه بصمت...
قطبَ كريم حاجبيه وقال له بفتور: هل تود أن أقرأ لك منه أم أنك تريد مني قراءَته أمامك! ؟
هذه المرة التفت إليه وقال لهُ وهو ينظرُ إلى داخل عينيهِ البحريتان أريدُ منكَ قراءتهُ هناك بعضُ التفاصيلِ التي يتوجبُ عليّ شرحَها لك لتكونَ قادراً على فهمِ ما يدورُ حولك، أمسك الدفتر وبدأ يقلبُ بهِ ويقرأُ داخلهُ بفتور كان يحتوي على ذكرياتِ فتاةٍٍ حينما اقتحمت والدتهما الباب بحالٍ من الغضب التفتت إلى كريم وقالت له باقتضاب: هناكَ فتاةٌ تطلب رؤيتك حالاً
نظرَ كليهما معاً بدهشةٍ لم يكن يتوقع أي منهما زيارة فتاةٍ للمنزل!!
أمسكَ أسامة يدَ كريم وهمسَ في أذنهِ أبقِ هذا معي وإخرج لتعلمَ من أتى إليك أما أنا سأذهبُ إلى المقهى الذي نرتاد إليهِ عادةً إلى جانبِ النهر.
هز كريم رأسهُ بالموافقة وتبعَ أمهُ إلى صالةِ الضيوف أما أسامة فقد خَرجَ من المنزل وذهب إلى المقهى مُسرعاً قبل أن تقوم والدتهُ بحملةِ استجوابٍ صباحية.
بعد نصفُ ساعةٍ من الانتظار أتى كريم وهو يمشي ببطءٍ شارد الذهن وجلسَ على الكرسي المقابل لشقيقه بصمتٍ جعل أسامة يدهشُ منه فهو لم يكن كما إعتاد أن يراهُ بمرحهِ وجنونهِ الذي كان يعهدهما عليهِ.
دخلت النادلة وبيدها فنجانين من القهوة وبضعُ حباتِ بسكويت وضعتهم بشكلٍ منمقٍ أمام النافذةِ المطلة على النهر فوق طاولةٍ بلوريةٍ مستديرة وخرجت بهدوء ونهضَ أسامة بثباتٍ وحزمٍ وقال لكريم :تعالَ لنشرب القهوة وبعدها نبدأُ بالخوضِ في هذا اللغز،
بادرهُ كريم بالإبتسامة و أمسكَ فنجان قهوتهِ بدأ إرتشافها على عجلٍ وبيدهِ الدفتر وهو يفتح على الصفحةِ الأولىٰ وكان يبدو عليهِ القدم وبأنه قد كتبَ منذ عقدٍ أو أكثر.
كانت يديهِ ترتجفُ بشدة فأمسك بهِ أسامة وقال له وهو يتفرسُ ملامح وجهه بحذرٍ : ما الذي حصلَ يا كريم بعد خروجي من المنزلِ ومن هي تلك الفتاة !؟
في البداية حاول كريم التملصَ من الإجابة على سؤالِ شقيقهِ بالتجولِ في عينيهِ لكنهُ قررَ أن يبوحَ لهُ بالسِّرِ الذي أثقل كاهلهُ لتخرج أولى الكلماتِ مثقلةً واهنةً: آيلا، تلك الفتاة صديقتي في الكلية، أما الذي حصلَ بعدَ خروجكَ فقد عُقِد لساني من شدةِ الصدمة التي أوقعها بي سؤالُ أمك في هذا الصباح، بعد جلوسي مع صديقتي نتحدثُ عن المحاضرات التي لم أستطع حضورها في الآونة الأخيرة خرجتُ معها إلى باب المنزل لتوديعها حينما نادت عليَّ أمي باسم جود! ؟
اقتربتُ منها في بادئ الأمر فقد ظننتُ بأنّها لم تكن قد شاهدت ملامحي بسببِ مروري المفاجئ، لكن ما كان لها إلا أن تتسعُ حدقاتِ عينيها و تقول لي لقد قالوا لي بأنكَ توفيت بحادثٍ،لكنني لم أصدق أي واحدٍ منهم، إقتربت مني وعانقتني بشدة أما أنا فقد كنتُ قد أعتدتُ على هذا الدور الذي جعلتني أمي أعيشُ داخلهُ منذ خمسِ سنوات بعد وفاةِ شقيقنا الأكبر جود، تنهدَ بعمقٍ وكأن ثقلٌ كبيرٌ قد إنزاح عن كاهلهِ، أما أسامة الذي وضع يديه على وجههِ وهو يترنحُ بين ذكرياتِ والدتهِ و كلامُ شقيقه وكأنه كان يعلم بما يحصلُ لكنه يشاهد بصمتٍ مطبقٍ فلم تظهر عليه أيُّ علامات الدهشة أو الصدمة بل كان كمن يسمع قصةً شاهدها بعينيه عدةَ مراتٍ حتى إعتاد سماعها.
بعد دقائق من الصمت الذي أصبحَ إحدى الأدوار المهمة بينهما أو أنهما اتفقا على الصمت بشكلٍ تلقائي
أخرجَ أسامة أولى كلماتهِ بشكلٍ متقطعٍ؛ أنا أعلمُ جيداً هذا الأمر، فأمي ترى جود في كل الوجوه، ليتها تعود كما كانت أو أن يعودَ جود لكن باتت الأمنيات مستحيلةَ التحققِ.
غادرا المكان بنفسِ الهدوء الذي دخلا به لكن هذه المرة كلُّ واحدٍ منهم كان يعيشُ داخل معركتهُ التي تجول في تلافيفِ عقله مع ماضٍ لا يوجد له أثرٌ إلا في هواجسهم وأرواحهم المغلقة داخل خزانةٍ من حديد ممتلئةٍ بالصدأ.
ولكن كان أسامة هو الأكثر عناءاً لكونهِ الابن الأكبر واليَّدُ اليمنى لوالدته أو -الإبن المفضل- كما كان يصفهُ كريم إلا أنهُ لم يكن يدري عن الحمل الملقى على كاهلهِ منذ نعومةِ أظافرهم بسببِ السرِّ الذي إنكشفَ أمام عينيه عن طريقِ الصدفة، نظر إلى داخل عيني كريم للمرةِ الأخيرة قبل أن يذهب ليشعر شقيقه بأن هناك شيءٌ مخبأٌ داخلهُ.
وضع يدهُ على كتفِ شقيقه ثم قال بكلماتٍ مقتضبةٍ وقصيرةٍ: هل هناك شيءٌ يجب عليك إخباري به!؟
أومأ لهُ أسامة بالنفي وقال لهُ يجب عليَْ الذهاب فالمعرض بإنتظاري ويتوجب علي اللحاقُ به قبل فوات الأوان، ابتسم نصفَ إبتسامةٍ وأدار ظهرهُ راحلاً نحو المجهولِ، أما كريم فقد كان يتوجب عليه الذهاب إلى الكلية لرؤية إيلين ومعرفة ما فاتهُ من محاضرات.
وصلَ إلى المقعد الذي شهدَ أجمل لحظاتهِ في هذا المكان فجلس وهو مُسْنِدٌ يديهِ على ركبتيهِ ينظرُ إلى دفترٍ غير مجرياتِ حياتهِ بين يومٍ وليلةٍ بعد أن حصل حادثٌ مع والدته وسبب لها فقدان ذاكرةٍ جعل حياتهم تصبح كالجحيم وخصوصاً بسبب سفرِ والدهُ المستمر فهو لا يجلسُ في ذاك القصر كثيراً فلم يكن له في هذه الحياة إلا أمٌ لعبت دورَ العائلة السعيدة بدور متقنٍ، وشقيقه الوحيد أسامة وبقايا ذكرى من شقيقهِ الأكبر جود الذي كان يشبههُ كثيراً وقد توفيَّ بحادثٍ منذُ عشرِ سنواتٍ وأكثر، إقتربت منه إيلين بخطى متأنية وهي تلبسُ فستان وردي وقد نثرت شعرها الأسود مثل السماء الصافية في إحدى الليالي الصيفية تحمل بين يديها بعض الكتبِ ،جلست إلى جانبهِ وهي تتحدث معهُ بحماسٍ لكنهُ لم ينتبه لوجودها إلا بعد أن سكبت الماء على وجههِ، نظر إليها بملامح مندهشة أما هي فقالت له وهي تضحك بسخاء لكنها لاذتِ الصمت بعد ملاحظتها ملامح كريم الجدية ثم قالت له وهي تشيرُ إلى يدهِ: ما هذا الذي تحملهُ في يدك!؟
قال لها وهو ينظرُ إلى الحديقةِ الجانبيةِ للجامعة وهو يشيرُ إلى زهرة اللوتس لا أعلمُ إلا أنه داخل هذا الدفتر قصةٌ ربما ستقلبُ حياتي رأساً على عقب لأصبحَ مثل هذه الزهرة وحيدةً داخل جنةٍ جعلت له جحيم بكل هواجسنا
أسند ظهرهُ إلى الوراء وفتحَ الدفتر قلبَ عدةَ صفحاتٍ قبل أن يتوقف عند الصفحةِ السادسة بدأ القراءة من منتصفها أما أيلين فقد كانت تتأملُ عيني كريم مرةً وأخرى تنظرُ إلى الصفحاتِ التي ُتُقَلبُ أمامها وهي متحمسةٌ لمعرفةِ ما يجول داخله فهي منذ حادثِ والدته لم تره وقد شغفها القلقُ على حالتهِ التي أصبح عليها من الصمت ؛ خرجت الكلمات من داخلهِ خجولةٌ بصوتٍ مجروحٍ وهو يقرأ أولى الكلمات التي وقعت عليها عينه، لا أجد سواي أنا محاطةٌ بالعتمة اللامتناهية،أركضُ في جميع الإتجاهات وأنا أحاولُ إيجادَ شيءٍ ما ولا أعلمُ ماهو !؟ ولماذا سأبحثُ عنه! أقفُ فجأةً و تحومُ حولي لقطاتٌ ومشاهدٌ من الماضي لأُناسٍ فارقوني رغماً عني وعن قلبي وأنا أذرف الدموع ويديَّ متشبثتانِ بأطراف أثوابهم الممزقة أصرخُ بخنقةٍ وغضبٍ أريدُ الذهاب معكم ولكن عبثاً أنادي ولا أحد يسمعني! تختفي اللقطات بومضةٍ لأعودَ إلى الركض وأنا ألهثُ من التعب نبضاتُ قلبي تتسارع وطنيينٌ مزعجٌ يصرعُ أذني لأجثو على حافة الطريق منهكٌة من كل شيءٍ وأصرخُ بأعلى صوتي كفى أوقفوا الكرة الأرضية فأنا أريدُ الرحيلَ عنها أنا لن أحتملُ هذا العالم الشجع بعد الآن!!
أنا فعلا نادمةٌ حد الألم لكوني إستطعت التمثيلَ على الجميع بأنني قد بدأتُ بالتأقلمَ مع الحادث الذي حصل معنا منذ سنة الذي أخذ مني قطعةً من روحي لكن ما يجعل نار الحنين تبرد بأنهُ سيكون عند والديَّ يعتنيان به جيداً وأنا الآن أكتب بعقل ممتلئ بالغضب وقلب ممزقٍ كيف إستطاع وضعَ إبنه الغيرُ شرعيٍّ داخل منزلي ويطلبُ مني الإعتناء به وكأنه قطعة مني، في بادئِ الأمر صرختُ بكل ما في بأنني لن أسمح له بالبقاءِ لكن هذا الغضب قد خبأ داخلي عندما رأيت بعينيه جود ابني الذي فقدته فأحتضنته بعمق وبهذا أكونُ قد أعلنت قبولي لهُ.
ظر كريم للمرة الأخيرة إلى إيلين وقال لها بصوت مرتجف وعينينِ دامعتين وهو يغلقُ الدفتر هذه المرة الأولى الذي أكرهُ كون والدتي تشعر بالشبه بيني وبين شقيقي جود لكن ما أعلمهُ جيداً بأنني لن أكونَ قادر على تَحَمُلِ خسارةٍ ما هم بالنسبة إلي الحياة بأكملها
أمسكت إيلين يدهُ وقالت له بصوتٍ خافتٍ: ما رأيك بأن نذهب معا ونتحدثُ إليها علها تحكي لك القصة.
وضع يده على فمها قبلَ أن تُكمل كلماتها لم يكن بإستطاعتهِ إخراجُ حرفٍ واحدٌ فقد مات صوته داخل حنجرتهِ منذُ إيجاد هذا الدفتر الملعون، أغمض عينيهِ وراح يهدسُ في سرهِ ليتهُ كابوسٌ وينتهي كان يفعل هذا عندما كان صغيرا ليستطيع الإبتعاد عن التفكير بكون شقيقهُ الإبن المفضل لوالديه فمنذ أن فتحَ عينيهِ وهو يحاول إيجاد مكانٍ في قلوبهم لكن ما يلبثُ أن يجد أنها تراهُ وتحبه لكن بشخص آخر.
هذه المرة استسلم لإرادة إيلين ومشى خلفها دون وعيٍّ أو إدراك فقد كانت الذكريات تحومُ أمامهُ و تتراقص وكأنه بدأ يدرك ما كان قد نفى حدوثه أو أعتقد بأنه لم يستطع إدراكه بشكل صحيح.
أما إيلين التي كانت تودُ إيصال كريم للحقيقة أخذت بيدهِ إلى المشفى المركزي حيث كانت متواجدة والدته لتكمل لهُ علاجه.ُ
لم يعده إلى الواقع سوى صوتها وهي تخبره بوصولهم أما هو فقد كل شعورٍ له.
فتح الباب دون استئذان ودخل بخطوات مرتجفة مثقلة بخيبتهِ التي علقت في حنجرته وكابدت روحه لمدة شهر كامل.
كانت افتكار والدته تقف على النافذة تشاهد أعمال الزراعة التي يقوم بها العمال في الحديقة الأمامية نظرت إليهِ بطرف عينيها وقالت له بفتور: التوتر والقلق يأخذ من عمرنا الذي نعيش أكثر من اللازم!
تأملَ جدران الغرفة التي تلونت ببضعِ رسوماتٍ وزخارفٍ باللغة اليونانية قبل أن يفتح فمه ليتكلم استدارت وهي تقفُ بمكانها واقتربت منه بهدوء ربتت على كتفهِ و همستْ بأذنه: بعض من المجهولِ قد ينجينا، ومعرفتنا كامل الحقيقة وماهيتها لن تكون كافية لإبعاد القلق أو خفت هواجسنا التي تقرع كالطبولِ داخل دهاليزِ عقولنا.
أغمضَ عينيه وحاول إستجماع كل ما أوتي من قوةٍ لينطق بخنقةٍ بأربعِ كلمات وصوت مجروح : لماذا؟؟
إقتربت منه واحتضنتهُ بعمق قائلة له: أنت إبني الجميل وإن لم تكن من لحمي فقد احتضنتك وأخذت عهدا على نفسي بأن تكون كجود قرباً إلى قلبي في ذاك اليوم الذي شاهدت ملامح إبني الذي فقدته منذ زمن بك أنت واستنشقت رائحتهُ التي لطالما أحببتها ورافقتني منذ غيابه.
في هذه الحياة نحن نمضي قدما داخل محطاتها تصارع أنفسنا وهواجسنا الساكنة داخل عتمةِ أرواحنا محاولين الصمود أمام كل شيء يخيف ذاك الطفل المرهق الذي كور نفسه وجلس في زاوية حياتنا منتظرا ولو فرصةً واحدةً، كانت الصدمة الكبرى بالنسبة لي هو خيانةُ زوجي لي وجلبه أداةً التي تجعلني لن أنسى ما حييت هذه الذكرى المؤلمة.
مسحت وجهها بكلتا يديها وتنفست بعمق مكملة وكأن قوة خفيةً قد بعثت داخلها: كنت أمام خيارين إحداهما رمي طفل صغير الذنب له للمجهول أو رعايتهُ بين يدي ليبقى ذاك الجرح مندملٌ طوال عمري الباقي.
نظرت إليه واقتربت منه ممسكة وجهه بكلتا يديها خامسة له لكنني إخترت هوس حبي لإبني الذي فقدته علني أجدهُ داخلك حينما تكبر وهذا ما جعل تلك الهواجسَ تصبح حقيقةً، هل تذكر ذاك اليوم الذي أتت به إيلين قبل الحادث الذي حصل معي؟
قطب حاجبيهِ باستغرابٍ لما يدورُ حوله وهز رأسه بصمت بالموافقة.
همست بصوت يشوبهُ التوتر: لقد تحدثت إليَّ إيلين وأخبرتني عن حزنك بسببي ، حاولت بوح الحقيقة لك عدة مرات لكنني لم أفلح لذلك طلبتْ المساعدة من شقيقة أسامة وحبيبتك إيلين ارتجفت شفتيها وقالت بشكل متقطعٍ :لكنني أحبكَ يا كريم وأنت تعلم هذا، إقترب منها وقبَّل يدها في ذاك الوقت كان أسامة وإيلين ينظرانِ إليهما كما لو أنهما يشاهدان صراعَ الحياةِ مع هوسِ الحُبِّ بين الأم وابنها.

0 تعليقات