ولنا في الحلال لقاء/عبد الجبار حسون

من هنا سأبدأ....

أنا لا أبدل أفراحي بأحزان الناس ولا أقبل أن تنقلب ضحكات من أحب إلى دموع، بل أستدير حول أحزانهم لأجعلها دمعة وابتسامة فرح.

في هذا البلد تريدُ أن لاتموت شوقاً وأن تحيا  ولو بجزء بسيط من الأمل، يأتيك مساءٌ فتضمَّ نفسك وتنامَ معانقاً بؤسك، فتلقي بك نسمات شوق الموت فجأة في بحرٍ لجي تحتاجه لمناجاة الله فتستيقظ فزعاً

هاهي ليلة واحدةٌ بعد ليالٍ  عديدة من قصتي هذه :

هناك بين منصات التواصل الإجتماعي وغرف الدردشات الكثيرة كان لابد لتلك المنصة العائلية أن تجمع شاب وفتاة تناهت بينهما كلماتُ الإعجاب الخجولة وتصاعدت بين أفراد العائلة ضحكاتهما المقصودة، كان يحاورها تحاور القريب وترد عليه رد الحياء كانت تفصل بينهما أعوامٌ خمسة وآلاف الطرقاتُ والحواجز، كان يقترب منها بحذر و يستقصد الرد عليها فيبحث عن كلماتها بين أحاديث الجميع، دخلت ثنايا قلبه دون أن تبحث عن ذلك وطرق قلبها الكسير باهتمامه ممسكاً يدها ليبعدها عن الأسى والحزن ليُسمع قلبها مامعنى الشتاء بعد خريفٍ مقفرٍ وصيفٍ جاف ، أراد أن ينظف روحها من أشواك الحزن وأن يخلع من قلبها وجعه وينسيها الفقد بالاهتمام وينزع دموع الحزن من عينيها ليبدلها فرحاً

بعد شهور من تلك المحادثات التي جمعتهما، بدأت روحه تطفو بحبها على عينيه وتفتش عن الاهتمام منها فقط .

_رن هاتفه ليرى صورتها وسط عائلتها، كانت قد تغيرت كثيراً عن آخر مرة رآها فيها منذ سنوات كثيرة، إنه لقائه الأول بصورتها ليتجاهل كل ماتحتويه الصورة من أشخاص ويركز نظره في صورتها الأشبه بالخيال، في أعماق تلك الصورة حيث دُر قلبه التفت لعينيها فتاةٌ هادئة ذاتُ عيون تحملُ من لهيب الشعور مشاعر ذهبية، تجعله يشعر بأنه بين مرجانِ البحر وكأن حوريةً وضعت تحت أثوابها قلباً لامشاعر إلا فيه

كان لابد له  أن يعلن لها عن مدى إعجابه بها بكل ما يحمله بقلبه من كلمات وما تفيضه روحه لها من حب

فصار شعورهما متبادل رغم الحياء الذي يعتري قلبه والخجل الذي يعصف بها ، مرت الشهور و هما معاً لا يملا من محادثة بعضهما أبداً ولا ينقطع أحدهما عن الآخر مطلقاً، كان يقلق أحدهما لغياب الآخر، ويشتاقا بصمت لاذع لبعضهما، لم يدرِ  أيُّ شعورٍ هو هذا الذي يتوسط روحه ويربط قلبه بتفاصيل لم يكن يبالي بها لأحدٍ مهما كانت قرابته له، أو قربُهُ منه

 مشاعرٌ للمرة الأولى تمرُّ على قلب هذا الشاب وتأسر روح هذه الفتاة

حتى جاء اليوم الموعود والتقى القلبان الثملانِ بالشوق الغارقان بالاهتمام، دخل البيت على عجل باحثاً عنها حيث لم يجدها، لتستمع أذناه لكلمةِ لم يسمع لنغمها مثيلاً من قبل حقاً (قالت: مرحباً) من قال أن الصوت دين الجمال لم يكذب، لحظتها استدار بوجهه لها فوشح القمر كل الخمائل المحيطة بشمسه وأطفت على قلبه برقعاً لطيفاً، وظفر الهدوء بجدران الغرفة وباتت عيناه تحاكي مسارح السحر، خدان ورديان من شدة الخجل وشفتانِ  قلب لونهما للأحمر الداكن و سلامياتٌ من فرط رقتهما تظن بأن طفلةً أمامك، في تلك الساعة انبثق جمالٌ أمام عينيه لا يمكن لكل أبجدياتِ العالم أن تصفه

بات يتمسكُ بنرجس عيونها، وورد خدودها، وشقائق شفتيها، إن الجمال فتنةُ الناظرين

جعل قلبهُ يتأملها يقظاً كأن الربيع في حضرته و وداعة الأطفالِ في يديه

أما جميلتنا لم تستطع النظر ولو لبرهة من الزمن كانت تكتفي بفرك يديها على عجل و بتعديل جلستها بالثانية ألف مرة و العبث بجوالها ملايين المرات لتزيل عن كاهلها جزء من هذا الحياء، كل من وجد في هذه الغرفة لاحظ نظراته لها، لم يسعفها الحظ بوجود من حولها ليخففوا عنها وطأة هذا اللقاء ....

حينها جلس يفكر أمام عينيها  أهذه هي الحياة؟ هل هي ماضٍ قد اختفى، أمّ حاضرٌ يركض خلفي؟

حتماُ هي مستقبلٌ لامعنى له إذا لم أظفر بها حلالاً....

وجد جوابه وعزم عليه وهو ينظر إليها بكل جوارحه، إنه الحب الحلال...

وتوالت الأيامُ تباعاً وهي أمامه يتقربُ منها أهتماماً لا كلام فيه ولا لمس ولا همس ... نظراتٌ تشرح كل درجات الحب ...

ينتظر كلٌّ منهما أن يبادر الآخر ليعترف بحبه، حينها وجد أن لا سبيل له إلا منصتهما الالكترونية، تقلب في سريره تلك الليلة، وتذكر لقاءهما الأول وراوده خيالان لا ثالث لهما.

وجهها حين رآه، ونعيمُ قلبه عندما يظفر بها حلالاً،

عزم أمره وتوكل على ربه وحبه وقال لها أحبكِ دون مقدمات، بعبث الفتاة الصغيرة، ودلال أجمل النساء، فاجأتهُ بقولها ( أخيراً قلتها) كانت تنتظرها منه بنهم لكنها لم تردها له، هو يعلم طبعها الخجول فعلم أنها تحبه من جوابها، مضى شهر زيارتها سريعاً كأن لا تاريخ جمعهما سوى ثوانٍ لا تحصى، كان القمر بدراً وقلبه يصرخُ كذئب برئ من دم يوسف، كان يصرخ من دون حول ولاقوة، بدأت رحلتها إلى مدينتها وضعت أمتعتها في حقيبتها ووضع قلبه في قلبها ليسافر معها، وقف ينعو نفسه وروحه وقلبه فراقاً وحرقةً.

عادت رحلتهما إلى عالم الأنترنت، هي بدأت رحلتها في ثانويتها وهو بدأ رحلته مع تلاميذه كلٌ منهما بعيدٌ عن الآخر قريبٌ منه ، بعيدٌ بجسده قريبٌ بقلبه وعقله وروحه ودعائه...

كان لهما لقاءٌ في كل اسبوع مرة يجددان عهدهما وينطلقا هكذا صبرا على جور الحدود والمدن والحواجر التي تمنع أن يقترب أحدهما من الأخر مطلقاً هكذا لأعوام عدة، القلبُ والعهد مستمران ، ومازالا ينشدان أنا النور ياحبيبي وأنا الظلمةُ ياصغيرتي ، أما آن للنور أن ينير ظلمتي؟


سارا على طريقهما وهدفهما واضحٌ حتى أنهت ثانويتها وجاء وقت الوفاء بالوعد، أعد نفسه لخطبتها وهما بعيدان عن بعضهما، حتى كتب لهما أن يتمازج حبهما حلالاُ وأن يصرخ العالمُ هذه الكلمات في كل الأنحاء: لا يحفظُ الله إلا المحبة في حلاله فطوبى لمن ظفر بحلاله

شعر وقتها بتلك السكينة التي تخيلها وذاق طعمها حقاً وبدأ مشوار حبهما على طريق طويل في هذه الحرب التي تحرمهما رؤية بعضهما حتى بعد عام على خطبتهما، لم يجف لسان أحد منهما بالدعاء للقائهما ولم ينضب قلبهما من الحب أبداً مازالت تقول له ياحبي ويقول لها ياوعدي...

يصبرها على البعد وتصبره على الشوق، تردد معه أذكار القلب ويصرخ بأعلى صوته أنا الذي أحب

يصبرها على البعد وتصبره على الشوق، تردد معه أذكار القلب ويصرخ بأعلى صوته أنا الذي أحبيتُ حلالاً و ربحتُ أجمل حلال...

مثلما تكسبُ النحلةُ رحيق الزهر تعباً وعملاً كسب حبه تعباً وعملاً

نهايةً أهدي قصتي هذه إلى من كتبت لأجلها ...

إلى أنيسة عمري وصفاء روحي

إلى من هي السكينة والوفاء والحلال

إلى صغيرتي ... 


عبد الجبار حسون


سوريا ....

إدلب


إرسال تعليق

0 تعليقات