
٢٠٢٠
في الصباح الوجوه اغتسلت بماء وعطر
وفي المساء تكحلت العيون برماد ودمار!
صباح الثلاثاء باكراً؛ استعادت المدينة نشاطها وروتينها المعتاد؛ خيوط الشّمس تتراقص فوق مياه الميناء
تحاول الغوص للأعماق، المحال التجارية شرّعت أبوابها، والنّاس تنتقل بخفة هنا وهناك، بائع متجول وبيده غزل البنات تبدو أكياس الغزل بحوزته كأنّها غيوم اقتطفت من السماء، مقهى الحي ينبعث منه صوت عرفته البلاد كلّها وقدّسته " السيدة فيروز" صدحت جدران المدينة وترنمت على معزوفة أحبالها الصوتية، أمّ لم تتجاوز الثلاثين عام بعد تقتاد ثلاثة من أطفالها، وأبٌّ خرجَ لاهثاً منذ الثّامنة صباحاً يسأل الله لقمة عيش لأطفاله، وحشد من الصحبة تجمعوا لتناول وجبة الإفطار معاً، ها قد تعالت أصوات ضحكاتهم وأحاديثهم المختلفة، ثم صفارة سيارة الإسعاف تقل للمشفى زوجين مستبشرين استقبال طفلهما الأول، وتفاصيل لا تعد ولا تحصى، كعادة البلاد مفعمة بالحياة،
لكن فجأة وعلى غير العادة دوي انفجار هزَّ أرجاء المدينة ونسفها من القاع، حالت الوجوه إلى أشلاء مبعثرة استحالة التعرف عليها، ومكبرات الصوت استبدلت صوت فيروز بصوت الأنين والصراخ، والأمّ الّتي أتت المشفى لتضع جنينها سرعان ما غادرت روحها الأرض برفقة زوجها وطفلها الصغير وكادر من الأطباء والممرضين، صيحات استغاثة في كل مكان وجثث هامدة تحت الأنقاض، لوّن الدخان سماء المدينة كما لوّنت أرضها الدّماء وشوّهت ملامحها الجميلة تلك الفاجعة، هذه المرة بيروت لا تشتكي حرباً أهليّة ولم يكن مجرد عدوان صهيوني، تبدو وكأنّها حرب عالمية أو صفارة إنذار وسط ساحة صراع دولية، استيقظت عروس ككل الأيام العادية ونامت على الرماد وجوه أهلها.....
قيل في يوم من الأيام "يمر على الإنسان لحظات لا يعود بعدها كما كان"
هذه المرة لم يغيّر الألم واللحظات الإنسان فقط، حتى شوارع المدينة ومبانيها لم تتحمل هذه الصدمة فانهارت وآلت خراب.....
كانت فاجعة لحظة، سوف يُدفع ثمها عمراً
بالكاد شفيت جراح لبنان من آثار الحروب السابقة، ما الذنب الّذي فعلته لتعود للحضيض ثانية؟!
قلقٌ غاشم نَهم القلوب وتجرع ماء الوجوه، ليلة واحدة مرت على القلوب بألف ليلة بل بألف عام، وألف خاطر يبعث الرعب في النفوس، أيا حمام بيروت هل آلت بك يد الغدر لغراب ينعق على آثار المنازل وحطامها؟!
نعوات جماعية، ومئات الشهداء وآلاف من الجرحى، وما من مداوٍ لجراح النفوس هناك...
ولا من يربت على قلوب الثكالى واليتامى.
أيا بيروت فلسطين مغتصبة، والعراق ذبيحة، وسوريا مشلولة، فمن يمد لك يد العون اليوم!
واه على موطني يرقص الظلم فيه على رفاة الحق، ويُترف الظالم فيه وينعم
يترفع الوضيع ويرقى للفضاء، بعدما دسّ في الركام إخوته.....
المصاب جلل، والقوى خائرة
والأيدي مبتورة، والعيون معصوبة
والنفوس مدمرة قبل المباني، والآمال تلاشت مع آخر سحابة دخان لذلك الانفجار.
لا ينفع الرثاء في الكتب ولا القصائد
لا تغيثهم حسراتنا، حتّى حروف العربيّة الثماني والعشرين لا تفصح عن حجم المصيبة، لست بشاهدة عيان، لكني ابنة عشرين عام وحرب🖤
حنان المصري
0 تعليقات