كبرت ثم ماذا بعد | نور الفصيح





نسيتُ أن أحتفظَ بدفتر التّلوين الخاص بي، وألواني الّتي أُحبّ، فكبرت وما عرفتُ كيفَ ألّونَ صفحة أيّامي الخالية من كلّ شيء ..!

نسيتُ أن أحتفظَ بفستاني الأحمر، فكبرتُ قليلًا، وابتسمتُ حينها لصغره؛ فألقيته خارجَ خزانتي، وتخلّصتُ منه، وما علمتُ أنّي اليوم بحاجةِ أن أراه؛ لأبتسم مجددًا ..

نسيتُ أن أحتفظَ بمخطوطاتي الصّغيرة، كتبتُ كثيرًا.. ثمّ مزقتها أشلاءً، وألقيتُ بها في مهبِّ الرِّيح، فضاعت كلماتي، وتطايرت أوراقي، وتمزَّقت ابتسامتي، وها أنا اليوم ألملمُ كلماتي، وأرمِّم أوراقي، وأحاول أنْ أستعيدَ شيئًا من ابتساماتي .. !

نسيت أن أُخبر أمّي أّنّي أودُّ أن أطير بعيدًا، فكبرت وتلاشت رغبتي في ذلك، لكنّي على يقين أنّني لو أخبرتها اليوم، لقبلت وحملتني وحلّقت بي بعيدًا، لأنّي أعلم جيدًا أنّها لا تقول لي لا أبدًا ..

نسيتُ أن أخبِّئ في بيتي شيئًا من ترابِ مدرستي وطباشير صفّي، وورد منطقتي .. فكبرت وقد تغيّر التّراب، وتلوّنت الطّباشير، وذبل كلُّ الورد الّذي في حيّنا .. وكبرت ..!

نسيتُ أن أُقبِّل يد معلّمتي، ورأس معلّمي، حينما تخرّجتُ من الابتدائيّة، كبرت، وتخرّجت من الجامعة، خضت مرحلة تدريس الطّلاب، وأدركتُ جيدًا مدى النّصبِ الذي يلاقونه جزاء أن نكون خيرَ جيل، فكان لزامًا عليّ أن أقبّل يد معلّمتي لأنّها كأمّي، ورأس معلّمي لأنّه كأبي ..

نسيتُ أن أخطّ على كلّ مفترقٍ اسم "وطني"، ليعلمَ كلّ مارٍّ أنّ الوطن شيءٌ لا يقدّر بثمن، لكنّي كبرت، وأصبحتُ أضمّ اسمه بدعائي، لأنّي أدركتُ جيدًا أنّ الحُبّ دعاء، وليس شرطًا أن أخبر كلّ مارٍ، وأهمس في أذن كلّ منعطف.. أنّي أحبُّ وطني، يكفي ما أكنّه في صدري، وأدعوه في قلبي، وما يعرفه ربي ...


كبرتْ ونسيتُ أن أفعلَ أشياءً كثيرة .. لكنّي كبرت .. !
وماذا ينفع البُكا على شيءٍ مضى .. ؟! 

نور خميس الفصيح


إرسال تعليق

0 تعليقات