البكماء | بشرى حاج يوسف




منذ كنت طفلة صغيرة وأنا ألهو وأمرح وألعب وحتى كبرت وأصبحت شابة في الجامعة وأنا أرى توأمي داخل غرفة تشبه القفص نافذتها كقضبان السجن جالسة دوما ولاتظهر أي علامات على وجهها بكماء ماسمعت صوتها البتة فقط تجلس وتنظر إلي من خلف القضبان حتى أنها لم تكن تملك اسما فأسميتها بالبكماء لا أدري ولم أعثر على إجابة أبدا لما أنا حرة طليقة وهي لا ؟؟؟ 


ومع ذلك اعتدت على حضورها الهادئ في حياتي أحدثها ساعات طوال عن أحداث يومي أخبرها كيف قضيتها مع أصدقائي عن تفاصيل يومي الصغيرة الصغيرة عن الكفتريات التي تعرفنا إليها والمأكولات التي ذقناها عن تخطيطنا لرحلات في الجامعة التي لم أر مدرجاتها يوما عن ضحكاتنا حتى أحدثها عن شاب إذا تعرفت إليه لم أكن أخشى شيء فأنا أعلم جيدا بأنها لن تتحدث فهي لاتعرف تنطق الحروف لا أدري لما كنت أحدثها وأنا لدي صديقة مفضلة أقضي كامل يومي معها في الجامعة في الأسواق والشوارع وحتى نكمل جلساتنا الطوال في المنزل ومع ذلك أحب أن أحدثها عندما أجلس وحيدة فعلى كثرة أصدقائي ووقتي المليئ بالمغامرات ما أزال أشعر بالحاجة للتحدث عن أشيائي المفضلة التي كانت تغمر حياتي سعادة وسرور ...وبكل الأحوال ما رأيتها مرة أومأت لي بأية أمارة أو إشارة فهي لاتعرف حتى أن تعبر عن انفعالاتها بالأشارة أخبرها عن شيء مفرح كأن وقعت بالحب من شاب جميل و"سيارته فخمة"!! أو شيء كأن بدأت أدخل في حالة إدمان المسكرات أو الدخان وغيره فكله عندها سواء لا بأس فلن أعتب عليها فأنا كذلك ياله من أمر مضحك ...


يوم غد سيكون يوم جداا مميز يافتاة لقد دعوني صديقاتي القدماء إلى حفلة تخرجهن وأنا مترددة لا أدري ماذا سأرتدي لأكون نجمة لامعة بينهن ذهبت واشتريت بعض الفساتين الغالية الثمن والجميلة ...لحظة سأذهب واجربهن لك لأختار الأجمل ...كالعادة البكماء لا تقدم رأيها بأي شيء وفي النهاية اخترت فستان جداا جميل ومميز ومرصع بحبات الؤلؤ أجل سأرتديه وسأخطف أنظار الحضور خلدت إلى النوم ...ثم نهضت باكرا لكي أتجهز وذهبت إلى مصففة الشعر ووضعت مواد التجميل نظرت إلى المرآة وكأني أرى أجمل وأعظم امرأة في الدنيا هاا قد جاء وقت الحفل وتأخرت قليلا وأنا أجهز نفسي لأكون الأجمل دخلت المدرج الذي طالما نسيت شكله ومقاعده وإذ بزميلاتي يرتدين العباءة السوداء ويخرجن ليستلمن شهاداتهن أمام الحضور والتصفيقات الحارة والنظرات لهن ولم أجد ممن ينظر إلي لقد بقيت ساعات طوال أمام المرآة حتى أنا نفسي سرق نظري نحونهن نعم إنهم أجمل مني بكثير جمال عباءاتهن جعل فستاني طريحا عم الصمت قلبي لم أعد أسمع تلك التصفيقات والأغاني والموسيقا وقرع تلك الطبول المهنئة لهن التي طالما ملئت المدرج لم أعد أرى أحد فقط صمت شعرت لأول مرة وكإني صفعت على وجهي لا أدري لما خرجت مهرولة لمنزلي وكنت متلهفة لحضور حفلهن... 


عدت مسرعة إلى المنزل وأنا منزعجة ودموعي على وشك الانهمار دخلت غرفتي دون أن ألقي التحية على أمي هذا المساء
بدت تناديني كعادتها رشا ادتعالي يا بنتي ماخطبك اليوم لست مبتهجة كعادتك كيف كانت الحفلة هل أعجبتك؟ لم أجبهابشيء وضعت رأسي على مخدتي وبدأت بالبكاء وكأني اختزن دموعي تلك منذ عدة سنوات حتى انفجرت هذه الليلة أغلقت هاتفي حتى لا يتواصل أحد لا أدري لما أنا مستاءة هكذا استيقظت عند الظهيرة وذهبت إلى البكماء أو تلك الكرسي التي لا تتكلم ومع ذلك فأنا بحاجة لأن أتحدث لأي أحد حتى لو مع نفسي بدأت أقول لها وددت لو أنها تشرح لي سبب استياءي ودموعي التي لم أعرف لها تفسير فأنا رأيتهن بعباءة التخرح السوداء وليس بفستان الزفاف لأحسدهن أو كعادتها لم تتكلم فقط تنظر إلي بصمت ...
في الصباح التالي اتصلت بي إحدى صديقاتي وأخبرتني عن رحلة يعدونها وتخبرني لكي أجهز نفسي دون أن أفكر حتى رفضت عرضها وقفلت هاتفي شعرت بالفراغ شعرت وكأني تائهة منذ سنين ما الذي فعلته في رحلة خمس سنوات في الجامعة بدأ شريط الذاكرة يعرض لي الأحداث كلها متشابهة متكررة لا شيء جديد لم أجني أي شيء لأول مرة أشعر بمدى الفراغ التي قد كنت فيه بالقيود التي وضعتها حول معصمي بالحدور التي رسمتها بالقفص التي جعلت نفسي خمس سنوات أدور فيه دون أن ألمح مرة تلك القضبان التي كانت تحيطني من كل جهة فلم أدع لنفسي مخرجا الآن عرفت لما أحداثي كانت متشابهة أيامي كانت متشابهة ...تلك الصفعة رؤية زملائي يصعدن السلالم والأدراج ناس تخرجت وغيرهم يعمل والغير يكتب وغيرهن وغيرهن الكثير ممن أنجز وأنا لا شيء تناولت بيدي آخر سيجارة في علبة التبغ في هذه المرة المختلفة اقتربت أختي مني لتشعل لي تلك السيجارة بيدها
الدهشة كللت ملامحي هنالك شيء غريب أن البكماء هي من قامت وأخذت المفتاح بيدها لتخرجني من خلف القضبان لا لم تخرجني بل أشعلت لي السيجارة ووقفت وهي تفتح يديها لتضمني حالما أنتهي من شرب سيجارتي نطقت أختي للمرة الأول خذي النفس الأول منها واحتضنيني دون أن أنطق بكلمة واحدة أخذت النفس الأول وارتميت بحضنها وبدأت أنظر لنفسي من بعيد كيف أتحول إلى رماد رويدا رويدا حتى تلاشيت.. وصوتها الخافت يردد بهدوء يخترق الجدران الضخمة لحدية كلماتها
مهما ظننت أن شخصيتك السلبية هي من تجعلك حرا قويا متمردافقد أخطأت ففيك خصمان أحدهما يريدك بالقمة والآخر يستمتع برؤيتك تسبح في المستنقع .


تجاهلك لأحد الجانبين سيجعله ينطفئ ويصمت صمتا طويلا فاعرف من الذي ستجعله يتحدث باسمك ومن ستجعله "أبكما"فجزأك السلبي هو القفص هو الغرفة المظلمة ومن يدعمها ويعززها فيك هم ذاتهم القضبان تحرر من تلك القيود قوي الإيجابية فيك وعد إلى موطنك الأصلي فالغربة تكمن وتعظم في هجرنا لذواتنا الحقيقية والتعايش مع تفاصيل لا تمت لطباعنا بأية صلة... 


أشرقت الشمس بكل ماتحمله الكلمة من معنى وبدأت رحلتي الآن ...نعم إنها حياة جديدة بداية جديدة روح مغايرة مليئة بالحياة ..بدأت رحلة التغير من الآن مسكت قلمي وبدأت رسمت هدفي وأحلامي التي أخبئتها منذ زمن ولم ألقى من أخبره عنها ... نعم لقد عدت للحياة بدأت أ
رى ة الجامعة بمنظور مختلف ورؤية أكثر وعيا ومسؤولية فالحياة ليست لهو وطرب الحياة تحتاج إلى حياة... عندما دخلت من باب الكلية أحسست كأنه اليوم الأول الذي أدخل به الجامعة اليوم الأول الذي أجلس على مقاعد المدرجات اليوم الأول الذي أمسك به الورق تحدثت لزملائي الجدد أحاديثهم لا تشبه أحاديث أولئك القدماء لم يطلب مني أحد أن نخرج من باب الجامعة هنا بدأت الحظ الفروق ومدى تأثير الصحب والمجتمع الميحط بنا والظروف على الفرد مهما أنكر!! ومدى تأثره بالمحيطين لأننا أشخاص نبني أنفسنا على التقليد والمحاكاة لن يكون سهلا على أي شخص أن ينبغ وهو في القاع بين المحبطين والسلبيين أعداء النجاح فلا تكن ندا لنفسك ولا تقف بجانب الظروف ولاتسمح لشيطانك بأن يخمد قواك ويجعلك أبكما تكتفي بالنظر لا حول ولاقوة لك ... 


ابني مجتمعك الخاص وتخيير موقعك بدقة...
حقيقة شعرت بالاختلاف بين هؤلاء المتمسكون بالعلم الذين يعرفون قيمته يخافون على وقتتهم وكأنه أثمن ما يملكوا
لأول مرة أراه بعين مجردة" الاختلاف"
بكل شيء هم سبقوني بأميال وأميال ولكن لا بأس إن لم أصل معهم سأصل بعدهم المهم أن أصل المهم ألا أعود
هنا الحياة هنا المصير هنا الإنسان يكون إنسانا ماضاع إلا القليل ومابقي إلا "حياة"
ح:رشا ماذا تفعلين في المكتبة لوحدك لقد بدأت المحاضرة هيا قبل أن نتأخر ...
ح: أجل أنا قادمة هيا بنا

بشرى حاج يوسف


إرسال تعليق

0 تعليقات