لا زالتْ ذكرياتَهُ تقتحمُ عقلي في كلِّ ثانيةٍ، ليس لديَّ القدرةُ على نسيانِها، أودُّ لو أستطيعُ مسحَ جزءٍ منها كي أمضيَ قدمًا نحو الأمام.. لكن لا أستطيع، فـذكرياته تجرفني كتيَّارٍ نحوهُ.. أغوصُ فيها، ففي كلَّ ليلةٍ يزور أحلامي دون استئذانٍ.
آدم.. حبيبي، مهجة أيَّامي، أحببتُك حباً لا حولَ لي ولا قوَّةً كي أتجاوزه، فقد سكنتَ بين أضلعي، وهبتَ لي الدنيا الَّتي كانتْ لا تعني لي شيئاً؛ بالرُّغم من جميعِ محاولاتي كي لا أحبَّك، لكنَّك صبرتَ ولم تيئسَ، على العكسِ فقد ازدادت إرادتكَ، وتمسَّكت بي، لكنَّكَ الآن أصبحتَ غصَّةٍ في قلبي، غصَّةُ عمري الذي لن يمضي أبدًا.
لا أنسى أوَّل يومٍ رأيتُكَ فيه، ولا تلك النَّظرةَ الَّتي خطفتْ عقلي، عيناك الواسعتانِ سلبت منِّي دنياي، ذاكَ المقهى الَّذي أزروهُ بين حين وآخر، كانَ أروعَ صدفةٍ جمعتني بكَ، حينما وقعتْ عينايَ عليكَ كنت تبادرني بنظرات.. لم أفهم أيَّ شيءٍ، بل انتابتني التَّساؤلات عنكَ، أصبحتُ بين كلِّ دقيقةٍ أخطفُ نظري تجاهكَ، لا أرى إن كنت لا تزالَ على تلك الطاولة ، "لا أنسى أوَّلَ يوم صدفتكَ به يا آدم".
هل أُحدِّثكم عن آدم، حبيبي.. عن مُهجةِ قلبي، ويوم ولادتي الثَّانية، حبيبي رجلٌ في الثَّلاثين من عمره، جمالهُ ليس كجَمال أيِّ بشر ذي بشرةٍ بيضاء، وسيمُ الوجه، وشعره أسودُ كسوادٍ السَّماء في اللَّيل.
أتعلمُ يا آدم.. لم يمضي على فراقكَ عنِّي سِوى بضعةُ أشهر، لكنَّني أشعرُ وكأنَّها مئةُ سنة، كلُّ لحظةٍ عشتها طوالَ هذه الأشهر أشعر بها كأنَّها لم تمضي، لم أتجاوز حبَّك ولا أيَّ شيءٍ يخصُّكَ، قضيتُ برفقتكَ أجمل أيَّام عمري، بجوارك أحسستُ بالأمان، كتفاكَ العريضانِ كانا ملجأيَ الوحيدَ.. أركضُ إليهِ لأنسى آلامي، كنتَ بالنِّسبةِ ليَ الوطن والأمان، لذا حينِ غادرتني أصبحتُ بلا وطن.
لكن رغمَ جميعِ تفاصيلكَ الرَّائعة، إلَّا أنَّك كنت سريعَ الغضبِ كالبركانِ، لقد كنتَ لا تستطيعُ التَّحكمَ بأيِّ شيءٍ حين ما تغضب، لن أخفي عنكَ أنَّي في بعضِ الأحيانِ أصبحتُ أشعرُ بالسُّوءِ تجاهكَ لكنَّني كنتُ أخفي عنكَ كي لا أثيرَ غضبكَ، بل ازرعُ ابتسامةً على شفتايَ وأحاولُ تهدئتكَ قليلًا.
أتذكر لقاءنا الثَّاني عندما رأيتُكَ من بعيدٍ، أخبرتكَ بأنَّك مهيبُ الطَّلة، وقويّ، فأنتَ تعرفُ ما تريد، ذو حكمةٍ ، متفكِّرٌ، كنت أحبُّ بكَ هدوءكَ وعشقكَ لي.
آدم: أتعلمينَ يا حوَّاءُ أنِّي أسعدُ رجلٍ في الكون.. كونكِ بجانبي.
حواء: وأنا أيضاً يا آدم.
آدم: حواء، أخبريني كيف أحببتني؟؟
حواء: ولمَ هذا السُّؤال يا آدم.
آدم: هيَّا.. أجيبي فقط.
حواء: منذ أن رأيتكَ أصبحتُ أجهل سببَ ما يحدثُ معي، تعلَّقتُ بكَ من النَّظرةِ الأولى، ومعَ الأيَّام تحوَّلَ حبِّي لكَ إلى ما يشبه الجنونَ والعاطفةَ الجامحةَ.
وحينها لم تتكلمي بل سكتِّ، قلتُ لكِ ما أصابكِ هل حديثي به شيء.
لم تجيبي بل أخذتِ نفساً عميقاً!!.. و نظرتِ إلى السَّماء وقلتِ: لقد استحوذَ اسمكَ على عقلي، وصرتُ أفكِّرُ بكَ باستمرارٍ وأتخيَّلُ كمَّ الروعةِ الَّتي ستكونُ عليها حياتنا لو أنَّكَ فقط ترى نورَ هذا الحبِّ.
نظرتِ إليَّ بحبٍّ وأكملتِ:
لقد بحثتُ عن الحبِّ لـسنينَ طويلة، وفجأة أجدكَ أمامي ليدقَّ قلبي للمرةِ الأولى، حينَ كنتُ أراكَ كان كلُّ الكلامِ يتلاشى منِّي، ولكنَّ عيوني تبقى تنظرُ إليكَ، وتأبى النَّظرَ لغيركَ، وقلبي كاد يفضحني بسرعةِ دقَّاته.
أيعقلُ ؟ يا آدم بأنَّكَ لم تحبَّنِي طول السَّنواتِ الَّتي كنت برفقتكَ فيها، ظننتُ أنَّكَ مغرمٌ بي كم أنا مغرمةٌ بكَ، لكن خابَ ظنِّي بكَ، واختفى بصيصُ الأملِ الَّذي كنتُ أنتظرهُ كي أصبحَ أميرتكَ، وأنا أرتدي ذاكَ الفستانَ الَّذي حلمتُ بهِ معكَ، لقد خدعتني بوعدكَ الزَّائفِ كي أصبحَ دميتكَ لا عشيقتكَ، طالما طلبتَ منِّي الكثير ولم أتردد لبرهةٍ أن أرفض، كنتُ أقبله بكلِّ حبٍّ، لكنَّكَ لا تكترثُ لهذا أيضاً، نلتَ منِّي، وبعثرتَ داخلي كدماتٍ زرقاء، عن أيِّ حبٍّ حاولتَ أن تبيِّنَ لي!؟، هل هذا هو حبُّكَ لي!؟، وعدكَ لي بعدمِ تخلِّيكَ عنِّي ..
داخلي ينزف، كانَ ألمُ قلبي ينتقلُ تدريجيَّاً إلى جسدي كلِّه، وتستقرُّ في حلقي غصّةُ الفراق، غصّة الخيبةِ والألم، والخوفُ من القدرِ المجهولِ الَّذي كان يُلاحق أيَّامي، لستَ قدري لكنَّك اعترضتَ طريقي وقدتَني إلى حيث هواك...
كهذا كانت حواء تسترجعُ ذكرياتها مع آدم حينما اتَّصل بها لآخرِ مرَّة، وأخبرها أنَّه لن يستطيع التعايشَ معها، لذلكَ عليهما بالافتراق، سألت..
حواء: لماذا يا آدم ماذا حصل!؟
آدم: علينا الافتراق يا حواء.
حواء : الافتراق، ماذا حدث لك يا آدم أين هي مشاعركَ تجاهي.
آدم: لا شيء حصل.. لكن ليسَ لنا نصيبٌ في هذا الدُّنيا يا حواء، لذلك عليكِ التَّفهُّم، وأن تنسَي ما جرى بيننا.
حواء: النِّسيان!! عن أيِّ نسيانٍ تتكلم؟!، كيف لي أن أنسى سعادتي ودنياي، أخبرني كيف تطلبُ منِّي النِّسيانَ بعد تعلُّقِي وحبِّي الشَّديد تجاهكَ؟!، ألم تقل لي أنَّ حبَّنا أقوى من جميعِ الظُّروف، ولن نتخلَّى عن بعضنا البعضِ مهما حصل!!؟
آدم: أرجو منكِ أن تتفهَّمي الوضع، وأتمنَّى لكِ حياةً سعيدةً مع غيري.
وأغلقَ الهاتف، لكنَّ آدم كان قلبهُ يعتصر حينما سمعَ صوتها، لكن كلُّ شيءٍ كانَ أقوى منه، فهو لم يكن يريدُ لتلكَ العلاقةِ بينهما أن تستمرَّ على الرّغمِ من روعةِ حواء وجَمالها وذكائها وكل صفاتها الرَّائعة، كان يريدُ لها حياةً أخرى لأنه ؟؟....
لا تعلمين يا حواء صعوبةَ الحياةِ الَّتي أعيشها، وكم هو صعبٌ عليَّ فراقكِ، أعلمُ أنَّه أنا من طلبتُ منكِ نسياني، ولكنَّ كلَّ شيءٍ كي لا تعيشي ما أعيشه من عذاب، ليتك تعلمينَ كم أنا بحاجةٍ إليكِ وإلى كلامكِ، أحتاجُ إلى حبِّكِ وحنانكِ، لكن لا أستطيعُ أن أخبركِ بذلك، أتمنَّى الموتَ على أن أراكِ تتعذبينَ معي، أعلمُ أنَّه صعبٌ عليكِ نسياني، والعيش من دوني، لكنَّكِ سوف تتأقلمينَ مع مرور الوقت.
أتذكَّرُ يوم رأيتكِ في المقهى، حين ما دخلتِ نظرتُ إليكِ، كنتِ جميلةً، بيضاءَ الوجه، شعركِ البنِّيُّ الطَّويلُ كان خلفكِ منفردة حورية البحر، كنتِ تمشين على مهلٍ، بهيةَ المطالعِ، حينما جلستِ تمنَّيتُ الجلوسَ إلى جواركِ والحديثَ معكِ، تمنَّيتُ أن أستمعَ إلى صوتِ ضحكتكِ، وجمالِ صوتكِ، فقط.. كنتِ مبهرةً، سبحانَ الله على من رسمَ عيناك.
كيفَ لي أن أنسى تفاصيلكِ يا حبيبتي، أنا أيضاً أتألَّم، لا قدرةَ لي على نسيانِكِ أو المضيِّ نحو الأمام، فـأنتِ ساكنةٌ في قلبي وعقلي، لكن سوف أتحمَّل، أفضلُ من أن أراكِ تتألمينَ بسبي.
كيفَ لي أن أخبركِ أنِّي....أنِّي لنَ أعيشَ لوقتٍ طويل، بل أياماً معدودة.. أجل يا حواء أنا لن أعيش، فأنا مريضٌ ولا أريدُ لمرضي أن يقتلني ويقتلكِ معي، لذلك طلبتُ منكِ نسياني، إنَّه السَّرطان يا حبيبتي ما أبعدكِ عنِّي، إنَّه أقوى من أيِّ شيءٍ، لا أريدُ أن تنظري موعدَ فراقي في هذه الحياة، وبكاءكِ، ليس هنالكَ أملٌ لي فقد وصلتُ إلى المرحلةِ المتطوِّرةِ.. الطّورُ الرَّابعُ، هكذا أخبرني الطَّبيب حينما اكتشفتُ مرضي، قالَ لي بأنَّه لن ينفعني أيُّ علاجٍ أو دواء، لذلكَ عليَّ الَّتوكلُ على ربِّي، وأن أكثرَ الاستغفارَ لعلَّ الله يغفر لي ذنوبي، لكنَّ الله لن يغفرَ لي الجرحَ الَّذي سببته لقلبكِ، لكم أتمنَّى منكِ يا حواء بأن تغفري لي، وتسامحيني، وتفهمي حالتي بعد وفاتي.. لكم أتمنَّى منكِ أن تكملي حياتكِ بدوني.
من آدم إلى حواء..
تحيَّة طيِّبة ..
السَّلام قبل الكلام ..
عزيزتي ومهجة قلبي حواء، كيف حالكِ أعلم أنك لستِ على ما يرام، وأنَّكِ مكسورةُ القلبِ بسببي، وأنَّ قلبكِ مفطورٌ على غيابي.. وأنا كذلكَ الأمر، ليسَ لي القدرةُ على تحمُّل بعدكِ عنِّي، ولكنَّ الظُّروفَ أجبرتني على تركي لكِ، أحبُّكِ حبَّاً لن يحبَّكِ أحدٌ هكذا من قبل، فأنتِ كنتِ حبِّي الأوَّل وستكونينِ الأخير، اغفري لي ولقلبي يا حواء.
لمياء حسو

0 تعليقات