"لم أنمْ ليلتها، بقيتُ متيقظةً طوال الليل في سريري و عينيّ للسقف، ظللتُ أفكرُ بكَ، بكَ أنت وحدكَ، يا من سرقتَ فؤداي من بينَ قفصيَ الصّدري، يا لك من محتالٍ!
ظللتُ أفكّر كيف لكَ بذلك وأنا حواء، حواء التي لم يعجبْها أيّ شخصٍ، حواءَ التي ظلّت طوالَ عمرها لا تعرف أي نوع من الرجال تفضّل، ظللتُ طولَ عمِري أتساءلُ بنفسي ما هو طعمُ الحبّ؟ وما شعوره؟
و الآن أتذوقهُ، فأستغربُ من نفسي، أعيشُ بارتباكٍ لرؤيتكَ، و من يسمع ذلك ليشعرُ وكأنّ ذلك أوّل لقاءٍ بيننا، بل هذا اللقاء ذو الرقمِ بعد الخمسين بخمس خاناتٍ. أتلهّفُ لظهور الشمس لموعدنا، فأستغلّ ذلك الوقت لأضعَ قدميّ على أرضية الغرفة، و أتوجّه إلى خزانتي و أنا حافية القدمين، أفتحُ خزانتي و أقلب بين ملابسي، أحتار ولا أعرف ماذا أختار!، ليظهرَ أمامي لونُ النقاء و السلام، بل بالنسبة لي لون الاستسلام لك، لون الأبيض. لِأسحبه، و أراه عن قرب، و أتفحصَه، فهو فستان قصير من قماش الدانتيل، فأخلعُ ملابس النوم على عجلة؛ لأرتديَه، و أشبع نظري به و هو على جسدي، أنظر إلى نفسي على المرآة فأعجبُ بنفسي، فيتملكني شعورٌ بالثقة بما أنا أبدو عليه، و ها أنا أتوجّه إلى طاولة زينتي، فأضع من هذا و ذاك على وجهي الأبيض، و من ثم أضع قلمًا أحمر على شفتيّ؛ لتصبح شفتايّ ذات اللون الخمريّ المخمليّ، وأدعُ شعريَ البنيّ يسقط على كتفيّ، واضعةً عليه تاجًا من الورود الطبيعية، وهذا كلّه في الساعة الثالثة صباحاً، بقي على موعدنا ساعًة و أربعين دقيقة، فعند شروق الشمس يبدأ لقاءنا، وأنا انتهيتُ من تجهيز نفسي فأجلسُ بقرب النافذة حيث النسيم يلحف جسدي، و ذكرياتنا تعشعش في قلبي وعقلي، و إنني لأتفاجأ إذ أفقست بيضها و جلبت لنا المزيد من الذكريات القادمة التي سنعيشها، ها قد أتت رياحُ الصباح معلنةً أنّ موعدَنا قد قارب على الإشراف، و ها هي شمسُ لقائنا قد ظهرت، فبدأت أشعتُها تتسلّل إلى مكان جلوسي، فوصلت إلى أصابع قدمي، ومن ثمّ إلى عينيّ ببطءٍ، و هذا يعني أنني آتيةٌ إليكَ، إليك أنت يا آدم .
خرجتُ مسرعةً للقائك، خرجتُ وقلبي يناديكً ويسابقني إليك، وصلتُ قبلَ ربعِ ساعةٍ من الموعد من حماسيَ المفرط، وصلتُ إلى المكان الذي احتوى لقاءنا الأول، و تبنّاه بكل رحابة صدرٍ. ذلك المكان هو الذي أعطى حبّنا اللونَ الأزرق كهدية و مباركة لنا، هو البحر الأزرق الصافي، خلعت من قدميّ صندلي ومشيتُ في البحر؛ ليمتصَّ جسدي مياهه، وليمشيَ في عروقي؛ لأسقي جسدي منه، يناديني صوتٌ حفظتُه عن ظهر قلب، صوت آدم فأديرُ ظهري و أراه .
آدم الذي امتلك قلبي بسواد شعره، و بياض وجهه، وبعينيه الواسعتين اللتين لطالما رأيت وجهي بهما، وعرض منكبيه الذي احتمي بهما، لم أذكر كيف وصلت بتلك السرعة رغم المسافة بيننا؟! لم أذكر سوى شوقي له، و ها أنا قد أصبحت بجانبه.
بدأتُ بالكلام، حدثتُه عن يومي، وفتحت فمي و لم أستطع إغلاقه، تحدّثتُ وكأنّني في جلسة اعتراف لقسيس من واجبه الإصغاء، و عدم المقاطعة، حدثتُه عن هذا و ذاك، ولكنني رغم كل الثرثرة لم أستطع أن أضع عينيّ بعينيه؛ خوفاً أن أغرق بهما- رغم سواد عينيه- ربما سأغرق في الثقب الأسود، سيمتصّني إلى داخله، ولن أجدَ وسيلةً لكي أنقذَ نفسي؛ لأنني لم أسافر و لا مرّة إلى الفضاء، ولن أتخيّل أنّ سفري الأوّل سيبوءُ بالفشل، أو ربما سأغيّر رأيي، إنني أريد إغراق نفسي بعينيه وبه، أريد أن أشعر به، أريد أن أكونَ متلازمةً له، متلاصقةََ به، لا أتوّقع أن يكون في ذلك ضرر.
ها أنا أرفع رأسي لأضعهم بعينيه، فأتلعثم، فأغيّر جهة نظري؛ لأنني بدوتُ بتلعثمي كطفلٍ يتلعثم ويتعلّم الكلام، فأنظر إلى طائر النورس أشرد به، فيقاطعني:
-انظري إلى عينيّ، دعيهما يرتويانِ بعينيكِ، دعيني لعلهما يكفّان عن الزنّ.
أشعر بسخونةٍ في أذني، ها قد بدأنا من جديد، قد أصبحتُ فراولةً ناضجة جاهزةً للقطف، فأجبرُ نفسي لوضعهما عليه محاولةَ التركيز، وإذ أشعر وكأنّ مغناطيساً يجذبهما له، لا أستطيع!، لا أستطيع!، لا أجيد، ولا أعلم ما سأراه في ذلك الثقب. حسب معلوماتي أنّ لا أحداً يعلم ما في داخله، و إذا امتصّ أحدًا فليس هناك فرصةً للنجاة.
إذا امتصّني قد أذهبُ إلى المجهول، قد أكونُ وحيدًة هناك من دونه.
كل هذا التفكير في أجزاء من الثانية؛ لأغيّر هذا الحديث وأفتح واحدًا آخرَ، أوّل حديثٍ وصل إلى خلايا دماغي:
-هل تعلم أنّ هذه الأرض من دون الإنسان قد تصبح جنّة؟! .(لم أعلم لما فتحت هذه السيرة أو ما الهدف، بالنهاية هذا ما خطر لي )
فهز رأسه موافقًا على ما قلته.
-إنّ الإنسان سبب كل شيء، ويساعده في ذلك صديقه إبليس؛ لفعل ما يخطر بباله من أفكار، بالإضافة إلى البذرة السيئة في نفوسنا، فلولاها ولولا صديقنا ما قتلنا أخانا هابيل، ولم يقطف أبونا آدم تلك التفاحة، فالنتيجة هي أننا من نفسد هذه الأرض.
بدوتُ مقتنعةً بكلامه، فلو مرة قد قال شيئاً، رأيته غير منطقيّ، فإنني أرى فيه رجاحة العقل، واتّزان الكلام، و قلب قد فتح لي أبوابَه، فدخلتُ وجلستُ على أرائكه، أكملَ هو كلامَه، و انشرح به، و لكن لم أسمعْ منه شيئاً، كنتُ أتمعّن به شاردةً في مستقبلنا الذي سنقضيه سويةً، متخيلةً ما سيجري منها، ومن ثمّ أرى مسامات وجهه، أعدّهم، ومن ثمّ أضيع، فأعيدُ من جديد لأصلَ إلى الرقمِ تسعمائةٍ وتسعةٍ وتسعين، ليوقظني من المكان الذي أنا فيه، فيقول لي: ما رأيك ؟!
فأهزّ رأسي؛ لأنني متأكدةٌ أنّ ما قالَه فيه من الصحة مئةٌ من مئة، ومن ثمّ إذ بشيء يلفت نظري، ويوقف قلبي، أكاد أن أشهق من الدهشة، إذ أرى شيبةً بشعره، أتفاجأ، فأفكّر في نفسي "هل أنا من أشعلت برأسه اللون الأبيض ؟!،هل أنا من بدأتْ بتقليل مادة الميلانين عن العمل ؟!، ماذا فعلت ؟، ماذا تصرفت ؟! هل هو كلامي الزائد؟!، أم بسبب ضغوطات عاش بها و لم يتسنّى له الفرصة أن يبوح بها لي؟!"
فقررت أن أسألُه عن نفسه، عنه هو، و ليس عني، فسألتُ وإذ بالكلام يتدفق من فمي: قل لي يا آدم كيف حالك ؟! بماذا تشعر ؟! هل أنت بخير ؟!
فضحك قائلًا :
-دعيني أجيب عن السؤال الأول عن ماذا كان يدور؟!
فابتسمت، فشعرت بنشوة انتصار؛ لأنني سببٌ في سعادته، فأعدت السؤال له، فردّ مجيبًا:
-إنني في ألف خيرٍ، و أشكر الله على ذلك، فليس هناك ما أشكو منه، لديّ بيت أحتمي به، وطعام يكفي جوعي، ومن الماء ما يروي عطشي، وأجمل ما لديّ امرأةٌ إذا حزنت أشكو لها، و إن فرحتُ أشاركها فرحتي .
فنظرتُ مفتخرةً بما قاله من كلام جميل، دالًّاً على عظمة هذا الرجل الذي وقعت في حبّه.
ومن ثمّ أكملنا طريقنا على الرمال الذهبية، ففتحتُ فمي و قلتُ :
-دعنا يا آدم نمشي، ونتركُ أثراً في هذه الأرض، كما نترك على الرمال أثرَ قدمَينا، لندعَ أسماءنا تُذكَر من بعدنا، دعْنا نترك أثرًا في قلوب الناس كأثرنا على الرمال، و أثر جسدينا في مياه البحر، فدعنا نفعلها .
-اتركينا من هذا يا حواء، ما نفع هذه التذكرة، و ما نفع هذا الأثر الذي نضعه في قلوبٍ من عامة الناس؟ ، ما فائدة أنْ نجهدَ أنفسَنا من أجل أناسٍ قد نراهم في الشارع ولا يُلقون التحيةَ علينا؟، فلْنضع أثرَنا في قلوبِ من نحبّ ونهوى، فقولي لي من تحبين، دعيني أعلم ؟!
-أحبكَ أنت، فهل تركتُ في قلبك هذا الأثرَ يا تُرى، ذلك الأثر الذي إذا مُتُّ قبلك أن تدعَ ما في الدنيا وتلحقني كما أفعل أنا ؟!
-و أكثر يا حواء، أثرُكِ قد وضعتيه من أول ابتسامة ابتسمتِها في وجهي، في أول لمسة لمستِ بها يديّ عن طريق الخطأ، في أول كتاب أعرتُك إياه، وأعدتِه متشربًا من ريحانك، وتشّبع من لمساتك، فلا تتوقعي أن وضع الأثر يكون بتكلّف النفس.
وإضافةً إلى كلّ هذا إذا أصبحَ بكِ شيئاً -لا قدر الله- و استعارتك الملائكة مني، فسأذهب بكامل إرادتي لرؤيتك؛ لشوقي لك و هيامي بكِ.
فقاطعتُه، وقلت له :
أريدكَ، أريدك أنت يا آدم، أنت من أكملت أحجِيتي، أنت القطعة الناقصة من روحي ووجدتها، شعرت بذلك بقلبي، فلا أريد ضياعها بعد إيجادها، فسأبحث عنك دوماً إن أضعتك، فأنت مكانك بجانبي .
-بجانب أريكتك عند الشيخوخة، أقسم لكِ يا حواء سأتحمل ثرثرتك طيلة عمري، وحتى لو أعدتِها على مسمعي أكثر من مرة، سأدع تجاعيد وجهي تتفاجأ وكأنها أول مرة تسمعها، و سأضحك على نكاتك التي سأكون حفظتها عن ظهر قلب، فلا تقلقي لذلك .
لم أعلم بماذا أرد، فلا كلامٍ يوصف الأزهار التي تفتحت في صدري، و الفراشات التي ملأت أمعائي، فإني على خوفٍ إن فتحت فمي لتطير خارج جوفي، فلم أعلم ما أقول سوى:
-هل تريد القول بأنني ثرثارة ؟!
استمرينا في المشي حتى مر من الوقت الذي لم أشعر بمدته؛ لأنني مع آدم، لم نكن أنا و آدم من عشاق التكنولوجيا لنستخدم ""الموبايل""، فنعلم الوقت من ما احتوته الطبيعة، ومن السماء و الشمس، لننظر إلى الظل الذي خلفته الشمس عن جسدينا؛ لنعلم ما هي الساعة أو ما تقاربه، فها هي شمسنا عامودية في سماءها .
-هيا بنا يا آدم، لنحتمي من شمس الظهيرة .
-و هل لي أن أضيع فرصتي في أن أرى شعرك تحت أشعة الشمس و أتمعن في لونه ؟!.
فحمريتُ خجلا،ً باحثة عن أقرب مظلة؛ لنحميَ رأسنا من الشمس الحارقة فوجدتُ، فجلسنا .
قضينا من الوقت صامتين ما يقارب النصف ساعة، شاردين في أمواج البحر الزرقاء
-هل تعلمين يا حواء رغم الصمت الذي نخلفه إلا أنني أعشقه، رغم عدم إصدارك أي صوت يُذكر، فإنني أحب صمتك و صوتك، صوت تنفسك أتمعن به رغم أصوات الأمواج و الطيور، وإني أبحث عنه.
فخجلتُ، و قلت:
وأنا أيضاً يا آدم، لا تعلم أن هذا الوقت الذي أقضيه معك من أفضل الأوقات لدي .
مددت يدي لألمس يدكَ من دون أن ألفت النظر لي، فتركت يدي تتولى هذه المهمة مهمة البحث ، بحثتُ، لم أجدها، فتركت عينيّ تسترق النظر إليك؛ لأساعد يدي في هذه المهمة، فرأيت يدك مسندةً على فخذيك، فقربت يديَ من يدك، فرأيتها تمر عبر خيالٍ من الضوء، يتلاشى شيئاً بعد شيء، ومن ثم أراك رماداً يتلاشى وعندما أصل إلى تلك النقطة التي تبين لي أن كل هذا من نسيج عقلي؛ لتذكيري بك عمّا كنا عليه، فأراك في هذا المكان الذي احتوانا قبل نهايتك و نهايتي، فمن شرط خيالك عدم اللمس و الاقتراب و عدم التكلم لي، فكل كلامك حفظته عن ظهر قلب، إنني أراك أمامي، و أسمع صوتك في داخلي، أعيد الحلقة الأخيرة من لقائنا، أعيدها في كل يوم، أعيدها بتفاصيلها، بذات الاحاديث و الكلام، ومن ثم أدع شريط فيلمنا يعيد لحظاتنا المعدودة فنهاية هذا الشريط قد قاربت على الانتهاء، وها هي تلافيف عقلي تعيش تلك اللحظات و أنا أجاريها .
فأكمل ما انقطع من الحلقة الأخيرة، القسم الحاسم، الموجع والمُبكي، فها أنا أدع تلافيف عقلي تستذكرها، ولا داعٍ لها لأن خيالك يا آدم أصبح بجانبي، بعد أن سحبتُ يدي داعية إياه أن يتشكل من جديد، متلبساً دوره بإتقان فهذا مشهده الأخير .
أتذكر أنه لم يدعني أن أكمل كلامي حتى قاطعني، أشار إلى شيئاً بعيد جدًا، نقطة بعيدة من البحر لا يراها إلا من ركز جداً في البحر ودقق به، كان يبدو من ذلك البعد أنه طفل يلوح فهو على وشك الغرق، منادياً بصوت عالٍ، فلم ألحق أفتح فمي حتى أرى آدم يخلع قميصه استعداداً لإنقاذه .
ارتجفتُ وخفتُ، مسكتُ يده ونظرت إلى عينيه، فأومأ برأسه، فطمأنني، فدعوت له في سري متمنيةً عودته بسرعة وإكمال موعدنا الخامس و الخمسين، ها هو يترك يدي ليقول لي :
"سأعودُ بعد قليل."
ليمضي في طريقه نحو ذاك الطفل، ماشياً في البحر و من ثم يسبح به فذاك البحر الذي تعودنا على ملوحته و عدلناها بأجسادنا، فأضفنا إليه القليل من السكر؛ ليصبح عذب الطعم .
ها هو يبعد شيئًا بعد شيء، تمر ثوانٍ و بعدها دقائق، أفتش عنه في مياه البحار، أبحث فلا أرى جسده في هذه المياه التي تحولت فجأة من مياه عذبة إلى مياه عكرة، أبحث و أفتش من جديد فأشعر بمرور ساعات، و لكنني أكذب على نفسي و أدعوها دقائق، أدخل هذه المياه فأبللّ جسدي لكنني لا أعلم في أي جهة ابدأ في البحث، يميناً أم يساراً ، أغوص في الأعماق أم أظل على الرمال التي كانت ذهبية لكنها الآن أصبحت قاتمة، عاتمة لا تشهي أحد أن يطأ قدمه عليها، أذهب و أعود خوفاً أن يأتي و لا يراني، أظل مكاني فأشعر بأنني في فيلم مُسرّع، لا أشعر بخطواتهم ولا أسمع أصواتهم أراهم أجساداً بعجلة من أمرها .
تجمّد الدم في عروقي يا آدم عندما حل الغروب، فلم يبقَ مجال للكذب و الخداع على ذاتي، بأن غيابك لم يتجاوز الدقائق أو البعض منها، لأجرجر نفسي على طريق العودة للمنزل .
و هكذا اليوم قد عدتُه خمسًا و خمسين مرة بعد فقدانك، عشته و أتقنته، لكنني عجزت عن تغيير رأي خيالك، حاولت و فشلت في تغيير مسارَه، فدومًا يتجّه إلى ذات المكان الذي حلسنا فيه، و دومًا يرى ذات الطفل، فيخلع قميصه و يشق طريقه إليه، فأنتظر على أمل أن يعود في هذه المرة، و دعنا نتخطى هذا اليوم و نعيشُ يومًا آخر في تفاصيل أخرى و أحاديث تتولاها أنت، فأجلس صامتة مستمعة لك، ممسكة نفسي عن الشرود بك؛ لأسمع أحاديثك و أخزنها في مجلداتي، لأتجه إلى منزلي فأدونها في مفكرة أحاديثك و أفكارك .
ندمت على لحظات عدة، لو أننا ذهبنا إلى مكان مغلق لا وجود به سوى أنا و أنت، لكنت حميتك ممّا وقع بك، لكنت نظرت إلى عينيك ،و إصرار وثبتهما عليك، لمنعت الخجل أن يتلبسني، لكنت تمنيت أن غرقت بهما، أن أكون وحيدة في فضائك ، ملتصقةً بك .
و من الأشياء التي تمزق قلبي أنّ خيالك ملازمٌ لمكاننا، لا أراه إلا هناك، ملازمٌ لأحداثها، و لا يخرج عنها، كما لو أنه شريط يكرر نفسه، يبدأ و ينتهي، و من ثم يعيد نفسه من جديد .
انتظرتك طويلا يا آدم خمسة و خمسين يوماً، مرت حاملةً كل المُرّ على غيابك، أياماً قاسية و قاحلةً، التزمت في تلك المسرحية أعدتها و من ثم ؟! لم تعد لي إياك ولم تجبر الكسر الذي خلفه غيابك ، فما فائدة كل هذا ؟!
وعدتني بالعودة بعد قليل، فلم يحن وقت العودة بعد؟!
ألم يحن بعد ؟!
كانت بداية مواعدنا تحييها شروق الشمس، وتنهيها غروب الشمس، فلم أكن أعلم أن وقت الظهيرة سيسابق الغروب و يقضي علينا .
لكن في يومي هذا الذي أعيشه لم يحن بعد وقت الغروب، فلن أدع الغروب ينهينا، لن أجعل علاقتنا محكومة في وقت محدد، فحبنا لا شروط فيه، محرر من القيود، و لا يخضع لأي سياسات، فها هي أنا جالسة على الرمال و بجانبي خمسة و خمسين وردة كافية؛ لأن تعمل عملها و لتكون رمزاً لعلاقتنا، أربطها بخيط حول ساقي و أحكمها بحزم على أمل ألّا تتزحزح، و لا تغير موضعها، و ها هي جاهزةً حول ساقي بلونها الأحمر، و من ثم أنهض مجرجرة إياها خلفي، و أنا داخلة إلى مياه البحر التي عادت إلى ملوحتها المعتادة، و في عقلي يدور حديثنا الأخير، فإنك يا آدم لم تترك في قلبي أثرك، بل حفرته في قلبي ،فأثرك يكفيني لأن أترك ما في الدنيا وأتبعك، فأكملت طريقي وأنا أمشي متمهلة لأستعيد أكبر كمية من ذكرياتنا، فلا أعلم إن كانت ستنمحي، بل الآن أنا على يقين أن ذكرياتنا لن أفقدها، فلم أحفظها في عقلي؛ لأنها استحوذت على قلبي، و تعشعشت فيه، لكنني أتنبه أنه لم يبقَ الكثير لوقت الغروب فأسابقه لأنطفئ قبله، فها هي المياه تصل إلى فمي و تتسرب إلى جوفي و ورودي تسحبني إلى الأسفل، و زرقة البحر تغمق لتصبح سوداء عاتمة، لا ضوء في الأسفل .
ها أنا قادمة إليك يا آدم و ها أنا قد أنطفأتُ.
زينة حلواني

0 تعليقات