راما المنديل | الحبّ يفنى ويبقى العون والسَّند
أكتوبر 03, 2020

حبٌ نَمَى في عروقِ الفؤادِ، وحبرٌ جفتْ حروفُهِ على أَسطرٍ ثَكلى تفتقدُ دفءَ الحُبِّ.
تذرفُ الدّموعَ على منْ يستحِقَهَا.
وفي الحنينِ لا تُحدِّثَ.
منْ الجميلِ أنْ تكونَ مِعطاءً بِحُبٍ، أنْ تُقدمَ كلُّ ما لديك دونَ أن تلتفِتَ، أو حتى تنتظرَ مقابلًا لمْا قدمتَهُ.
في جريدةِ العُلماءِ، كانَ آدمُ ينثرُ عبيرَ كلماته في كلِّ عددٍ جديدٍ يصدرُ، حتى أنّ الناسَ أصبحَتْ لا تبتاعَ الجريدة إلّا كي تستمدَ روحَ الحياة منْ كلماتِهِ، أنْ تَتعلمَ حقّاً كيف تسموْ بمفاهيم الحب؟
كيف تُعطي؟، وتسمو أيضاً لتكونَ قدوةً. قدوةٌ في الحبِّ وغيره.
أحبَّ آدمُ أنْ يعبر عنْ حبِّهِ لأُختِهِ، وامتِنانِهِ لما قدمتْ لهُ، في الكتابةِ عنْ فضائلِ العطاءِ في جريدة العُلماءِ.
لأنَّها كانَتْ من الكُتَّابِ الذين لمْ يقرأ لهُمْ أحدْ، أو حتى لم يسع لهم أنْ يعرفوا في الوسطِ الأدبي.
وكانَ ينهي جميع ما يكتبه بأنْ يلحق اسمها باسِمه "آدمُ حواءُ" تذكية لفضِلهَا وعطَائِها الذي قدمَتُه.
"حواءٌ" الجميلة التي لطالَما كانَتْ تَسعى لتحقيق حُلُمِها من قِبَلِ أخيها، في أنْ يدخل الكلية الطبيةُ ويكون متفوقَاً بين أقرانِه.
معَلِمَةُ اللغةِ العربية في مدرسةٍ لا تكادُ تبعدُ عنْ المنزلِ مسافةَ خمسَ عشرةَ دقيقة سيراً على الأقدامِ.
كانَتْ أُختاً أُماً، وأَباً حتى...
سَهِرَتْ وَرَبَتْ، تَعِبَتْ وعلَّمَتْ...
لَمْ تَبخَلْ لدَرجَةٍ أنَّهَا قَدمَتْ ما قَدْ قَدمَتْ مُقَابِلَ صِحَتِهَا.
في یومٍ منْ أیامِ نیسان في الخامسِ مِنهُ تحدیداً، كانَتْ حواءٌ تُعِدُّ مفَاجَأةً لآدمَ في المنزِلِ وذلك بمناسبةِ عید میلاده وحصولِهِ على علامةٍ تُؤَهِلُهُ في الدخولِ إلى الكلیة الطبیة...
فعِندَمَا عادَ آَدَمُ...
-أَهَلاً وسَهلاً بِكَ آدمُ، كیفَ كانَ یومُكَ یا أخِي؟
-لا أهلاً ولا غیرِهِ، تُصبِحینَ على خیرٍ.
-ما بِكَ یا أخي، هلْ حصلَ أيُّ مكروهٍ؟ لِمَ تتَحدّثُ بِهَذهِ الطرِیقَةِ؟ لقدْ......
-دَعِیني وشَأَنِي، لا أُریدُ أنْ أَتَحدَّثَ عنْ أيِّ شيءٍ، ولا أُریِدُ أنْ أراكِ أیضاً.
-ولكنْ!
ذهابُ آدمُ إلى غُرفَتِهِ وإِغِلاَقِهِ للبَابِ بإحكامٍ لَمْ یَكنْ بِشَارَةُ خیرٍ، ومِنَ المُعتقَدِ أنَّ أمراً سیئاً قَدْ حَصَلَ.
تَحضِّیرَاتُ حَواءُ وكُلُّ الحَلوى، والطَعامُ الذي یُحِبُّهُ آدمُ، ذَهبَ هَبَاءً...
فمَا كانَ عَلیهَا إلَّا أنْ تنهَارَ بالبُكَاءِ، حتَى وإنْ كانَتْ أَكبَرُ سِناً منهُ فَالدَمعُ لا یُفرِّقُ في هذَا الأمرِ. وأنْ تتحدّثَ مع نَفسِهَا وهيَّ تَنظِرُ للطَعَامِ الذي حضَّرَتُهُ.
-یا لي مِنْ بَلهَاءٍ، أخِي ولا أَعرِفُ ما بهِ...
متَى كانَ لذلِكَ أنْ یَحصلْ؟ یا إلَهِي كَمْ یُتعبُنِي ذَلِكَ.
لَمْ تَسْتَطِعْ حَواءُ انْتِظَارَ أخیِها حتَى یَهدأَ، فَذَهبَتْ لِغُرفتِهِ وطرقَتْ البابُ بهدوءٍ كمَا اعتَادَ علیهَا.
-آدمُ، أَرجُوكَ یا أخِي أنْ تُخبِّرَنِي ما الذي قَد حَصلَ لكَ!.
ألَّا تَعرِفَ أنَّهُ لا یُمكنُني أنْ أَترُكُكَ وأنتَ في هذهِ الحالِ، افتحْ البابَ یا آدمُ.
طرقاتُ حواءُ على البابِ وطولِ انتظَارِهَا، قَد أتعَبَ قلبُّهَا وأحَزَنَها على أخِیها...
كانَتْ تَقولُ: أنَّ في هذهِ المواقفِ یَذهبُ العِلمُ وكلُّ أنواعُ المعارفِ ویبقى الصمتُ رفیقاً لنا والحِیرةُ سَواءٌ.
خمسَةُ دقائِقٌ كانَتْ أقربُ لأنْ تكونَ خمسةَ لیالٍ باردةٍ یسودُها صَمتَ الحیاةِ والفقدِ، یَحومُ حولَهَا أنینَ القلبِ.
-أَرجوكَ یا آدمُ، فَلتفتحَ لي البابُ.
كانَتْ آخِرُ ما قالَتُهُ حواءً لأخِیها، فسَمِعَ بعدَهَا آدمُ كأنَّ شَیئاً قَد ارتَطمَ على الأرضِ، وسادَ الصمتُ.....
شعرَ آدمُ بشُعورٍ لا یُطاقُ في هذهِ الدقَائِقِ المَعدودةِ، فنَهضَ مُسرِعاً لیفتَحَ البابَ، فرَأى أُختُهُ حواءً ملقاةً على الأرضِ..
-حواءٌ...
أرجوكِ یا أُختِي فلتَنهضِي، یا حواءُ..
حَملَ آدمُ أُختَهُ إلى الفِراشِ، وتَوقَعَ أنَّ ما حدَّثَ قَد أصَابَها بوعكةٍ صحیةٍ مفاجأةٍ، فقدَّمَ لها اللازمَ من أمورٍ طبیةٍ كي تصحو وبقيَ بِقُربِها واضعاً رأسَهُ فوقَ یَدِهَا...
آدمُ... سَمِعَ صَوتاً یُنَادِیهِ بهدوءٍ آدمْ...
فرفعَ رأسهُ، وإذْ حواءُ قد عادَتْ لوعِیها، فباتَتْ نظراتُ الاعتذارَ واضحةٌ في عیونِ آدم.
-أُختِي عزیزَتي...
-لا داعي لأنْ تقولَ شیئاً یا أخي، كیفَ للأُختِ أنْ تحزنَ منْ أخِیها.
لكنْ أخبرِنِّي لِمَ كنْتَ على هذهِ الحالَ؟ ما الذي قدْ حصلَ؟
-ما منْ أمرٍ مهمٍ یا أُخِتي، كونِّي بخیر فَحسْب.
قَبَلَ آدمُ رأسَ أُختِه وغَادرَ المنزِلَ، فسبقَتْ دموعُ حواءَ خطواتَ آدمَ لِتُعبِرَ عن حُزنِها وخوفِهَا عَلیه.
شَعرَتْ حواءٌ بأنَّ حبیبَتُهُ جَعَلَتُهُ مُهمِلاً لهَا ولواجِبَاتِه المنزلیةِ أیضاً، لَم یعدْ یَهتمُ بشيءٍ مطلقاً..
لَمْ یكُنْ آدمُ هكذَا أبدًا...
-آهٍ منْ هذهِ الحالَ..
الآنْ وفي نهایاتِ نیسانَ من عامٍ آخرٍ، كعادَتِه آدمُ یعودُ إلى المنزلِ خاوي الوفاضِ، ویَجلِسُ لیَكتُبَ رسالةً.
"" في نهایاتِ نیسانَ في الخامسِ والعشرينَ مِنهُ تحدیداً، ولكنْ في عامٍ آخرٍ.
إلى منْ كانَتْ لي أكثَرُ منْ أُختٍ، كانَتْ أمَّاً عَوناً وسَنداً.
إلیكِ حواءٌ.
لَم أَعِشْ یومَاً شُعورَ الفَقدِ والبُعدِ، حقاً لقد كنتِ كلَّ شيءٍ، وما زلتِ كیفَ لي أنْ أُعِیدَ لكِ حقكِ یا أُختي؟
أمطارُ نیسانَ لا أعتقدُ أنَّها كاذبَةٌ الآنَ، فهي تعیدُ للمرءِ رونَقَهِ وشُعورهِ بالحبِّ.
عَلمْتُ بتَقصیري مؤخراً، لكني أعتبُ
علیكِ لأنكِ أَخفیتِ عني قصةُ مرضِك.
لیسَ لديَّ أدنَى فكرةٌ عنْ سببِ فعلَتِكِ هذهِ یا حواءُ، لكني أشتاقُكِ...
أشتاقُ منْ كانْتَ تُحضِّرُ لي الطعامُ صباحاً، وعندَ المجيءَ إلى البیتِ.
الآهُ تَخنقُ مُهجَتي یا حواءُ!
هلْ كانَتْ هذهِ فعلتي؟ هلْ كنْتُ سببَ مرضِكِ؟
تساؤلاتٌ كثیرةٌ ما منْ مجیبٍ عنْها!
الیومَ إني طبیبُ أعصابٍ كما كنْتِ تَحلُمین، كنْتُ أتَمنى أنْ تكونِي أولَ من یُهنئُنِي في ذلك...
لكنَّكِ اتخذْتِ منْ التُرابِ غِطاءٍ لكِ، وزرعْتِ في القلبِ غصَّةٍ لا تُحكَى ولا تُكتبُ حتى.
أَتَعلَمین... !
لقَد أصبحَتُ كاتِباً، وقمْتُ بنشرِ بعضٍ من كلماتكِ التي كُنْتِ تُخفینَها، ولا تَرغبین بأنْ یقرأُهَا أحدٌ. كي تكونَ لكِ أنتِ وأنا فقطْ.
أحجارُ قبركِ والترابِ معًا، كانا لي غِطاءً من بردِ الشتاءِ.
علمتْني دروسَاً لستُ أنسَاها، ولكنْ كیفَ أنساكِ!!
لم أبكِ في یومٍ على أمرٍ ولكنَّكِ أنتِ من كانَ سَبباً لإكمالِ حَیاتي، فكیفَ أحیا بلا عیناكِ.
أعتذرُ عنْ انشِغالي وتقصیري، عنْ غضبي ونِسیاني واستهتاري...
عنْ كلِّ ما كانَ سبباً لبكائُكِ أنتِ یا زهرةَ منزلِنا.
إني وحیدٌ الیومَ في بُعدِكِ عنَّي، فالحبُّ یا أختي یَفنَى ویبَقى العونُ والسَّندُ.
وأنتِ من كانَ لي كلُّ شيءٍ.
أخاكِ حبیبُ قَلبُكِ ""آدمُ حواءٌ"".
أصبحَ آدمُ وحیداً یَمضي بینَ عثَراتِ الحیاةِ، وغالباً أننَّا لا نَشُعرُ بقیمةِ منْ نحبُّ أو حتّى لا نعلمُ بمدَى حبُّنَا لهمْ حتى نفقدهُم.
لا ندركُ ماذا یُقَدمون لنا، وأيُّ جهدٌ یبذلونَ حتى نَصِلَ نحنُ لقممِ النجاحِ...
تمضِي الحیاةَ ویَفنى كلُّ من فیها، والحبُّ یَبقى ویسْمو العونُ والسَّندُ
0 تعليقات