يارا الحسين | الحب والخيبة في باريس





باريس 2/2/2009 يومُ شتاءٍ باردٍ المدينةُ موحشةٌ، المطرُ يتساقطُ بكثافةٍ شوارعُ المدينةِ فارغةٌ بالكامل لايوجدُ أحدٌ في الشوارعِ سوى رَجُلٍ ثلاثينيَّ أبيضَ اللونِ أسودَ الشعرِ، وسيمَ الوجهِ، واسعُ العينينِ جميلها، مُهيبَ الطلةِ، قويَّ الشكيمةِ يقفُ على أعتابِ المقهى يَنتظرُ المطر ليهدئ من أجلِ الخروج ِلمنزلهِ تسقطُ عينانِ ذاك الرجُلِ على فتاةٍ بيضاءٍ الوجهِ طويلةُ الشعرِ بنيَّة الخصلة بهيَّةَ المطالع ِ، واقفةً منتصفِ الشارعِ تحتَ المطر متبللةً بماءِ المطر غير مبالية لذلك المطر بينما كانَ المطرَ ينهمرُ بكثافةٍ ضل يرافقُ بعيناهُ تلكَ الفتاة شعرَ بالفضول، وقررَ الذهابَ نحو تلكَ الفتاة يبدو أنها فتاةٌ في العشرينيات من ربيعها اتجه نحوها واقترب منها وسألها بصوتٍ خافتٍ وتكلم باللغةِ الفرنسيةِ من خلال تعثُرها ببعضِ الحروف شكَّ بأنها عربية سألها: هل أنتِ عربيةٌ نظرت إليهِ وقالت هل هذا الأمر مهمٌ بالنسبة لك قال لاتفهميني غلط سيدتي أنا أيضاً عربيٌّ لكن هناكَ شيئاً ما دفعني باتجاهك لأن المطرَ يهطلُ بقوةٍ وأنتِ واقفةً وحيدةً تودين مساعدة، قالت :ومن أنت؟ ومن أين ؟
قال: سيدتي تعالي معي إلى المقهى الذي أمامنا الجو بارد جداً والمطر قوي للغاية (آدم)
حسناً (حواء)
تفضلي سيدتي بالدخول (آدم)
يبدوا أنَّ المقهى لايوجد فيه أحد (حواء)
نعم إنَّ الجوَ باردٌ للغاية والجميعُ ملتزم في المنزلِ كنتُ أودُّ إغلاق المقهى والذهاب إلى المنزل ريثما يهدئ المطر سوف أجلب لكِ شيئاً ساخناً ربما تشعرينَ بالقليلِ من الدفئ (آدم)
شكراً جزيلاً سيدي (حواء)
عفواً سيدتي ما إسمكِ (آدم)؟ حواء:أنا (حواء)
إسمكِ جميل للغاية (آدم)
من أين أنتِ سيدتي(آدم)
أنا من بلد الياسمين دمشقيةُ الهوى ياسيدي (حواء)
ما هذه الصدفة الجميلة ربَّ صدفة خيراً من ألف ميعاد وأنا من سوريا (آدم )
حقاً! أهلاً برائحة بلدي ما إسمك سيدي (حواء) أنا آدم أعيش في باريس وحيدُ عائلتي تقيم في مصر وجئت أُكملُ دراستي لكنني عندما إنتهيتُ من الدراسة وددّتُ البقاءَ هنا لأنني إعتدت على كل شيءٍ هنا ولم أستطيع العمل بشهادتي الجامعية لذلك فتحتُ مقهى وأعمل به وأنتِ ماذا تفعلين في باريس(آدم)؟!
آه.... إنها قصة طويلة للغاية وسوف يَحِلُ المساء لكنني أودُّ التكلم كثيراً كثيراً منذ زمن لم أتكلم بلغتي الأم أريد الغرق في أحرفِ العربية لغتي حبيبتي أنا ياسيدي روحي مولعة بأزقةِ دمشق، وأوردتي مرويةٌ من نهر بردى أحبُ وطني جداً جداً(حواء) نظر نظرةَ المتعجب !!لماذا أنتِ هنا في باريس إذاً (ادم)
قصتي طويلة لكنني سوف أروي لك لأنني بحاجةٍ للتكَلُم كثيراً أنا فتاةٌ تدركُ الحياة مشاربها أنا وحيدةً خلقتُ وحيدةً وعشتُ يتميةً في دار الأيتام في دمشق ، وأزقةِ دمشق عشتُ طفولة ربما ليست سيئة كانت سيدة الميتم إمراةً حنونةً للغاية لم تُرزق بأطفالٍ وكنا نحن مواساتها الربانية، أكملتُ تعليمي بفضل سيدةِ الميتم وكنتُ دائما بالمراتبِ الأولى جئتُ ببعثةٍ من أجلِ دراسة الطبِّ في باريس ولكن ياسيدي باريس مدينةُ الأشباح والأقوياء إن لم تكن قوياً يضيع ُحقك في هذهِ المدينة وكم سمعتُ ذاتَ مرةٍ ما ضاعَ حقٌ وراء مطالبهِ، أنا هنا أرتشفُ مرارة الغربة ولكنَّ روحي مختلطة برائحةِ الياسمين والنرجس تزهرُ كلَّ حين لاتموت (حواء)
لا أعلمُ ماذا أقول لكنني حزينٌ للغايةِ لأنك يتيمة، ولكن بذاتِ الوقت سعيدٌ بكونك فتاةً قويةً وقادرةً على التحملِ (آدم)
الأن سوف أغادر لقد حلَّ المساء عن إذنك (حواء)
مع السلامة سيدتي لكن دعيني إخبارك شيء عندما تودين التكلم وتشتاقين للعربية أنا موجود دائما هنا في هذا المقهى (آدم )
حسناً سعيدةٌ جداً برؤيتك سيدي(حواء).
أخذتُ أفكرُ ساعاتٍ وساعات شارداً بمكاني لم أتحرك من مكاني، ولقد توقف المطر لكنني لم أودَ الذهابَ أصبحتْ تلكَ الفتاةُ مسيطرةً على أفكاري أرتشفُ قهوتي وأنا أفكرُ بها فتاةٌ قويةٌ، محاربةٌ شجاعةٌ، أصبحتُ أرددُ اللهم لقاء ثاني يجمعني بها، وفي اليومِ الثاني من صباحاتِ باريس الباردة فتحتُ المقهى، وأصبحتُ أنتظرُ قدومَها هل يُعقَلُ أن تأتي ربَّما سوفَ تعودُ وليسَ الآن أنتظر أنتظرُ بمرارة ٍعودتها لأولِ مرةٍ أشعرُ أن الإنتظار مؤلمٌ وأن كلَّ دقيقةٍ سنة، حلَّ المساءُ ولم تأتي سوفَ أنتظرُ قليلاً ربّما تأتي لكنّ كلَّ هذا الإنتظار بدونِ فائدةٍ أغلقتُ المقهى وعدتُ للمنزل أرتشفُ قهوتي كالعادة وأتصفح الجرائد يا إلهي مللٌ؛! نعم ملل ربما هذه المرة الأولى التي أشعرُ بها بالملل، سوف أذهبُ إلى النوم ربما ألتقي بها بالصباحِ ربما تأتي للمقهى سوف أنامُ على أملِ اللقاءِ كالعادة ونفسُ الروتين، ذهبتُ للمقهى وقمتُ بترتيبِ المكان وفجأة دون أن أشعر صوت عفواً سيدي أريدُ فنجان قهوة (حواء)
كنت سعيداً للغاية بقدومِها وعودتِها قلتُ لها أهلاً وسهلاً ثواني قليلة فقط يكونُ جاهزاً أعددتُ فنجانَ القهوة بكلِّ حبٍّ وسعادة تفضلي سيدتي سعيداً جداً بقدومكِ وعودتكِ (ادم)
شكراً لك كثيراً أتعلم سيدي شعرتُ بالحاجة للتكلم، وتذكرتُ كلماتك وقلتُ سوفَ أذهبُ إلى آدم ربما نتكلم قليلاً(حواء)
أهلاً بكِ على الرحبِ والسعة (آدم)
دعيني أخبركِ شيء قبل إن تتكلمي منذ رؤيتكِ وأنا أفكر بكِ لا أعلم لماذا ولكن سكنتي في أفكاري لم تستطيع فتاةٌ شدَّ إنتباهي مثلك (أدم)
حواء شعور التعجب!! مسيطرٌ عليها ودقاتُ قلبها باتت تتسارعُ يا إلهي... إنهُ نفس شعوري لكنني لن أخبره (حواء)
وكنت أنتظرُ عودتكِ كثيراً (آدم )
حقاً أنا سعيدة بكلامِك سيدي (حواء)
أخبريني ماذا كنتِ تودين التكلم به (ادم)
لا عليكَ لا شيء كنت أودُّ إخبارك ببعضِ الأشياء لكن لا عليك أودُ الذهابَ أخذت تتكلمُ مع نفسها وتقول ماذا تود أن أخبركَ بعد كلامك هذا (حواء)
أين سوفَ تذهبين (آدم)
أريد الذهابَ للمكتبة من أجل القراءة قليلاً (حواء) حقاً هل تسمحي لي بمرافقتك (آدم)
طبعاً (حواء)
وبدأ آدمُ وحواءُ السيرَ في الطريقِ ونظراتُ آدم التي لم يستطيع إخفائها تلاحقُ حواء وكانت حواء في داخلها إعجابٌ شديدٌ بآدم ولكن كبرياء الفتيات والعناد لم تخبرها بذلك بدأ يتكلم آدم: ماذا تفضلين أيُّ نوع من الكتب التاريخية أم الفلسفة؟! (آدم)
أنا إنسانةٌ منغمسةٌ بكتبِ التاريخِ أقرأُ كثيراً كتباً تاريخيةً ، وأحبُّ كتاب البداية والنهاية مؤلفهُ (الإمام ابن كثير اسماعيل بن عمر الدمشقي) ، وهذا الكتاب يعدُّ كذلك من أعظمِ الكتب الإسلامية في التاريخ الإسلامي، وقد كتب فيه إبن كثير التاريخ منذ خلقِ الأرضِ والسموات وخلق آدم أنها تجذبني كثيراً (حواء)
كلامكِ جميلٌ كتب التاريخ جميلة تشعرنا كم كنا عظماءَ سابقاً وأفتخر بتاريخنا (ادم )
وأفضلُ أيضاً كتب الفلسفة أقرأ كثيراً (حواء )
اذاً ذوقنا واحد عندكِ نفس ميولي للتاريخ والفلسفة (آدم)
عند دخولهم المكتبة أخذ آدم رواية *فلتغفري* وقام بإهدائها لحواء نظرت حواء لآدم وقالت أحبُ هذه الرواية جداً قرأتها ولكن سوف أقوم بإعادة قراءَتها شكراً لك (حواء)
وأنا سعيدٌ للغاية لأنكِ سوف تقرأيها مرةً أخرى (آدم ). ومرتْ الأيامُ والأسابيعُ والشهور وباتتْ حواء بالترددِ لمقهى آدم وبكثرةٍ وذاتَ يوم في ليلةٍ مسائيةٍ إقترب آدم من حواء وهمس في أذنها حرريني منكِ أنا الأسيرُ في عينيكِ (آدم)
ابتسمتْ حواء والجبروتُ في عينيها وأجابتهُ: من قالَ ياسيدي أنني سأحرركُ مني فأنا ذبيحتكَ، وقتيلتكَ، منذُ أول لقاء واليوم سوف أخذ ثأري منكَ يا جميلَ العينينِ.
لكن دعني أخبركَ شيء أنا لايغريني أي غزلٍ فأنا يفتنني غزلُ *نزار قباني* (حواء )
سوف أغازلكِ بغزلٍ نزاريٍّ
ملكٌ أنا، لو تصبحينَ حبيبتي
أغزو الشموس مراكباً وخيولا
- "نزار قباني" (آدم )
لا أعلمُ ماذا أودُ إخبارك لكنني سعيدةٌ جداً في هذه اللحظة وكأن سعادةَ الكون كلها داخلي (حواء)
بدأ آدم وحواء بالمواعدة وبعد سنة قرر آدم الذهاب لمصر لزيارة أهله قام بالإتصالِ بحواء، مرحباً حبيبتي والدتي مريضة أود الذهاب وزياتها الآن سوف أغادرُ أنا في المطار لأنها متعبة للغاية وبحاجتي (آدم)
حواء وشعور الدهشةِ مسيطرٌ عليها ولم تستطيع التلكم أيُّ كلمة قالت له: حسناً والدتكَ بحاجتكَ الآن عليكَ الذهاب إليها لكن متى سوف تعود (حواء ) لاتقلقي بضع أيام وسوف أعودُ إنتظري رسائلي لن أتاخرَ يوجد معكِ مفاتيحٌ للمقهى إهتمي بالمقهى بينما أعودُ سوفَ أعودُ قريباً (آدم )
حسناً لاعليك لاتهتم كلُّ ماعليكَ الإهتمام به هي والدتك (حواء )
مرتْ الايامُ والأسابيع والشهور ولم يعودُ آدم تتصل حواء وخط آدم مقفل لايوجد إجابة يا إلهي! لماذا لم أسالَ آدم أين يقيمُ في مصر مضى على غيابِ آدم أكثر من سبعةِ شهورٍ كل يوم يمضي على حواء بمثابةِ سنةِ ألم الإنتظارُ مؤلمٌ ومتى يعود آدمَ.؟! متى اللقاء؟! في ذات يومٍ بعد تفكيرٍ طويل لحواء قررتْ الذهابَ لمصر والسؤال عنه أخذت تضعُ له الكثير من الأعذار بنيةٍ طيبةٍ، حجزت إلى مصر وذهبت لم تكن تعلم أين الوجهة واقفة بالمطار والوجهةُ مجهولةٌ أخذت تكسي وذهبتْ إلى فندق لترتاح وفي الصباح تقوم بالبحث عن آدم ربما تلتقي بأحدٍ هناك يعلم عن آدم شيء، مكانٌ جديدٌ، وجهةٌ مجهولةٌ، يا إلهي ما هذا ياحواء! ماذا سوفَ أفعلُ الآن في الصباح الباكر أخذت تبحثُ في شوارعِ القاهرة إنّها مدينةٌ كبيرةٌ وعدد سُكانها كبيرٌ جداً كيف سوف أعلم أين يسكن آدم؟! في طريقها سمعت فتاةً تتكلمُ مع صديقتها تميلُ للشاميِّ، فكرت مراراً قبل أن تسألها يا ترى هل تعلمُ عن آدم شيء سوف أقترب، لا... لا ربما لاتعلم شيءٌ عنه وبدأتْ تبحثُ في شوارع القاهرة وعندما قررتْ العودة للفندق من أجل أن ترتاح قليلاً سمعتْ صوتاً من بعيدٍ يشبه صَوت آدم أخذت تنظرُ وتلتفت، وفجأة سقطت عيناها على آدم يا إلهي إنهُ آدم سوف أذهب إليه ولكن قبل أن تصلَ لأدم سمعت آدم يقول: تعالي حبيبتي أنتظرك لماذا تأخرتي لسيدة من بعيد تقترب)إلى آدم وهي مبتسمةً وآدم يبادلها الابتسامة ونظرات الحب في عينان آدم وتلك السيدة، الصدمة باتت قويةً بالنسبة لحواء ياترى هل أقترب إليه لا لن أقترب وأخذت تبكي بشدة وكأنها تقيمُ عزاءاً. عادت إلى الفندق وحجزت بأول طائرةٍ متجهة إلى باريس عادت إلى باريس وهي تحمل الخيبة والخذُلان لماذا آدم فعلَ هذا؟ لماذا لم يخبرني؟ أخذت تبحث في مكتب المقهى وتبحث بين أشياء آدم وإذ بصورةٍ لتلك المرأة مكتوبٌ عليها من الخلف ديانا يا ترى من هي ديانا؟ هل هذه عشيقة آدم السابقة؟ هل يُعقَلُ أن آدم عنده عشيقة سابقة ولم يخبرني هل عاد لتلكَ المرأة ليتني اقتربت منه وسألتهُ لا.... لا هكذا أفضل ليتني لم أذهبَ إلى مصر ولم أشاهد آدم لكنْ ألف كلمة ليت لن تفيدَ الآن ذهبَ آدم وترك لي جُرحاً بالقلبِ لن يندمل وكَسَرَ فيني جسراً من الأمل "


يارا الحسين


إرسال تعليق

0 تعليقات