"دواؤك فيك وما تشعر
وداؤك منك وما تُبصر
وتحسب أنّك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر"
(الإمام علي بن أبي طالب)
بك تنطوي العوالم، وبك التفرد والتميز، ميزك الله من بين بلايين المخلوقات، في خلقك، وعلمك، وفي إرادتك، وجعل ملكة البيان عندك. غير أنّ طبيعة جسم الإنسان فرضت قوانين ثابتة لصيانته من الخلل، وهيأت له باب الراحة والبيئة المحيطة به، لكن النفس البشرية أبت أن ترى هذا كله وهي من إبداع وتميز الخالق، فدائمًا ما ترى نفسها على أنها جرم صغير يشاهد الجرم الأكبر. فالإنسان وإن كان صغير الجسم والشأن بالنسبة للكون، إلا أنّ عظمة الخلق والكون تجلت فيه.!
فحين يتأمل الإنسان هذا الكون الواسع المجرات والأفلاك يجد نفسه صغيرًا جدًا بينهم، ولو فكر لوهلة وأبحر في تركيب جسمه ودقة صنعه؛ لأخذه الهول من عظمة تكوين هذا الجسم الصغير المليء بالأسرار، الذي يتكون من أعضاء، وكل عضو يتألف من باب، ومن باب إلى باب، وكأن رأس هذه الأعضاء وأعظمها والذي خص الله بها الإنسان عن غيره من المخلوقات وهو الدماغ (العقل البشري)، ذلك الصنع العجيب؛ الذي رفع الإنسان من جرم صغير إلى جرم كبير بقدرته الهائلة على التخزين والتفكير، والتخطيط، والذكاء والكثير من الإمكانيات والمَلكات القادرة بها بالتعاون مع هذا الكون الكبير، الذي يكبره بالحجم فقط؛ لأن كشف أسراره ميزة من مميزات العقل البشري العجيب القادر على هذا.
غير أننا لو نظرنا لأنفسنا من ناحية علمية فنحن لا نساوي ذرة صغيرة من هذا الكون. لكن روحيا نحن بعقلنا الصغير مقارنة بالكون ملكنا الكون؛ لأن الله سبحانه وتعالى أبدع بنا وبخلقنا بحكمة، ليتسنى لنا فعل شيء يضاهي هذا الإبداع الذي أوجده بنا وبعقولنا بالأخص. فكانت لي وقفة هنا، وبدأ عندها طيف التأمل بأن ما هي وظيفة هذا العقل؟ وكيف ميزنا الله به؟!
فهنا كانت الإجابة أسرع ظهورًا من السؤال، عندما وجدت عقلي يؤكد وظيفته وهي "التفكر". وخير دليل نستدل به هو القرآن الكريم، عندما قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9]، وقال:( (أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) [الأنعام: 50]، و ( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 66]، فهذا يؤكد لنا أن العقل نعمة وظيفتها الفكر والتفكر؛ لذلك أمرنا الله أماً صريحًا في الآيات الموضحة، وارتقى الأمر إلى أن أصبح مقياسًا لتفضيل البشر بعضهم على بعض.
فهنا كانت الإجابة أسرع ظهورًا من السؤال، عندما وجدت عقلي يؤكد وظيفته وهي "التفكر". وخير دليل نستدل به هو القرآن الكريم، عندما قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9]، وقال:( (أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) [الأنعام: 50]، و ( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 66]، فهذا يؤكد لنا أن العقل نعمة وظيفتها الفكر والتفكر؛ لذلك أمرنا الله أماً صريحًا في الآيات الموضحة، وارتقى الأمر إلى أن أصبح مقياسًا لتفضيل البشر بعضهم على بعض.
فمن ترك الفكر وآثر الركون ونام على ضفاف الخمول والتبعية، أعلن هنا إضرابه عن هذا التفضيل وأعلن مساواته مع غيره من هذه المخلوقات. فميدان الفكر ميدان خصب يقبل كل إنسان عاقل، فلا تكتمل آدميته إلا إذا دخل هذا الميدان، وخاض بجولاته. فهؤلاء هم الذين يصنعون هذه الحياة، فالحياة ما هي إلا مولود يحيا في أرحام هذه العقول التي خلقت لتُفكرَ بها، لا لِيَتَفَكَّر بها غيرها. فلابد لنا أن نعي بأن الفكر يحتاج إلى علم والعلم يحتاج إلى فكر أيضا، فهما صديقان يسيران معا ولا نستطيع أن نفصل بينهما. فالخوض في هذا الميدان الرحب ما هو إلا عبادة وأجر لأمر الله سبحانه.
هنا أبان الله سبحانه وتعالى الإنسان من سائر الحيوانات، فعندما ميزه بالعقل. ميز الحيوان عن الحيوان بالعلم، وكما أشرت بأن العلم والفكر صديقان لا ينفصلان عن بعضهما البعض. يعني مثلا عند أهل الفقه لو اصطدت شيئا وأحضره لك كلب الصيد لا يجوز أكله إلا إذا كان الكلب مدرب "مُعَلَّم" فيحل لي هنا أكل ما يحضره لي الكلب المدرب ولا يحل لي أكل ما يحضره كلب الصيد، فهنا نجد بأن الحيوانات أيضا تمايزت فيما بينها بالعلم وليس الإنسان فقط، ولكن الإنسان مُيز بالعقل والتفكر، وحب العلم عنده من جبلاته المغروسة في نفسه. فمثلا نجد أحيانًا رجلًا جاهلًا ويعرف نفسه بأن جاهل، ثم إن قلت له: "يا جاهل" تجده يستشيط غضبا وإن قلت له: " أحترم علمك " تجده يفرح، وإن كان يعرف في قرارة نفسه بأنه جاهل. وإذ دخلت بنقاش معه وامتد النقاش وانهيته بجملة بسيطة " أقدر علمك " فتجده قد اطمأن وسكت وإن كان يعرف نفسه بأنه لا يميت للعلم بأي صلة.
علاوة على ذلك، قد خلق الله الكون كما قيل بأربعة أجواء" حرارة، رطوبة، برودة، وجفاف"، وبدوره ركب الإنسان بعضه فوق بعض حتى كان 10 طبقات وأقامه على 48 عامودا، فقال في كتابه الكريم: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ ) [الانفطار: 8]، أي ركبك الله كما يشاء، وجعلك مميز من بين خلقه؛ حيث جعل لك قدمان تمشي بهما، ويدان تأكل وتعمل وتلبي حاجياتك بهما، وخلق لك عينان لترى وتقرأ بهما، ولسان لتعبر عن فكرك ولتتواصل به مع من حولك. ففي اللسان لما استطعت أن تنقل ما تحس به، ولولاه لم تكن لتتعدى فوائد العلم عالمه، ولا صح من العاقل أن يفتق عن أزاهير العقل كمائمها، ولتعطلت قوى الخواطر والأفكار من معانيها، ولوقع الحي الحساس في مرتبة الجماد. فانظر إلى نفسك وتأمل بها؟ أوتحسب أنك جرم صغير للآن؟ تمعن بنفسك، أوخلق كل هذا عبثا؟
ليس هذا فقط ، فالعجيب بقول علي بن أبي طالب " دواؤك فيك وما تشعر" أن داء الإنسان به وهو يجهله ولا يعلم بهذا الإعجاز الخَلقي، فجسم الإنسان يقوم بتحذيره من الأمراض ويجعله يدرك حاجته للطعام والشراب والهواء والنوم وغيرها من المستلزمات الصحية، فإذا قصر الشخص بواحدة منها وجب عليه أن يدفع ضريبة صحته. فداؤه منه بطبيعة الحال؛ لأننا وقتها نكون قد تعاملنا مع أجسامنا بطريقة خاطئة. وبقوله: " وداؤك منك وما تُبصر"، أثبتت الدراسات بأن جسم الإنسان يحتوي على مناعة طبيعية أو مكتسبة، وهي الخط الدفاعي الأمامي ضد الأمراض والميكروبات التي تهاجم الجسم. وقد توصل الطب الوقائي إلى أن هذه المناعة هي العلاج الذي يتطلبه مثل هذه الهجمات الوبائية، فحين يصاب الشخص بمرض أو التهاب معين؛ فإن الوسائل الدفاعية في الجسم تتسارع في محاربة هذا الهجوم، وتظهر هذه المحاربة بارتفاع درجة الحرارة مثلا، والتي تعتبر بدورها وسيلة دفاعية عن الجسم. فهذا مثال للدواء الذي يملكه جسم الإنسان دون أن يبصره، ودواؤه هو أن يتعامل مع جسده بطريقة صحيحة.
نهاية، غير أنها لا توجد نهاية لهذا الموضوع الواسع، الذي يلخصه قوله تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [النحل:18]
وأهمها العقل الذي ميزه الله به فنعمه كثيرة، خلق فأبدع سبحانه !
فلا بد لنا أن نحترم قدرة الإنسان وإمكانياته الهائلة؛ ففيه ما فيه من الأسرار والعجائب، وعددت ما عددت من المميزات التي يجهلها الإنسان به، واكتشف العلم بعضها وجهل القسم الأكبر.
بقلم: عبير عبد الرحمن أبو قاسم.
أزرق | العدد الثالث
10 تعليقات
راااااااائعة يا عبير 👏👏💕
ردحذفحبيبة القلب والوجدان أسومتي����
ردحذفجميييييل جدًا ������
ردحذفللأمام عبير جميل ��������
ردحذفكجمال مرورك💓
ردحذف💓💓
ردحذفرائعة يا عبير بالتوفيق أحسنتِ النشر👌
ردحذفجميل جميل جميل ابدعتِ بما معناه من تفكير واعي ومثقف وابداع من انسانة مثلك تشعى دائما الى ان تكون حروفها من طبيعه فكرها وشخصيتهاا ابدعتي صديقتي ❤
ردحذفصديقتي سعادتي لا توصف وانا اقرأ كلماتكابدعتي ابدعتي يا قلبي انتياستمري دائما للامام ����
ردحذفرائعة عبير
ردحذف