العنف الأسري للطفل




حين نسمع كلمة "أسرة" نشعر أنها ألطف كيان قد يحتوي الإنسان، وكوكب منفرد خاص به، يمنحه الحياة والحرية.
إن الطفل ليس إلا ذرة صغيرة في عمق هذا الكون حين يمنحك الله إياه، ويمنحه روحًا؛ فعليك أن تَصقِل وتلوِّن هذه الروح بالمحبة الكبيرة.
منذ أول لحظة تلمس فيها طفلك، تلك اللمسة البشرية التي تبدأ بها رحلة وجود هذا الطفل، اللمسة التي قد يُحرَم منها الكثير.
الطفل يأتي للحياة جاهلًا بكل شيء؛ فعليك أن تمنحه الحب والأمل، الحكمة والقوة، أرِه الأشياء الجميلة قبل القبيحة، علِّمه الصواب قبل أن تريه الأخطاء وعواقبها، طفلكَ لَيس ملككَ أبدًا، ليس قطعة أثاث في بيتك؛ فيجب عليك أن تتركه يعيش وفق أفكاره، ومبادئه، وقناعاته، وألَّا تُجبره أن يعيش تبعًا لأفكارك، ومعتقداتك، فقد خلقنا الله مختلفين في كل شيء، ما عدا أننا من أب واحد.

يقول جبران خليل جبران: "أولادكم ليسوا أولادكم، إنهم أشواق الحياة وبناتها، أنتم تستطيعون أن تعطوا أولادكم محبتكم، لكنكم لا تستطيعون أن تلقنوهم أفكاركم؛ لأن لهم أفكارهم. تستطيعون أن تقيموا المساكن لأجسادهم، لا لأرواحهم. أنتم الأقواس، وأولادكم السهام الحية التي تنطلق عنها".

الطفولة هي أهم مرحلة في حياة الإنسان، لكن ماذا لو أستيقظ الطفل في الحياة ووجد العنف في بيته ضمن أسرته، سواء والده، أو والدته، أو من أيًا كان، فأين المهرب؟ إنَّ الطفل كائن ضعيف؛ بسب عدم اكتمال بنيته الجسدية، والنفسية، والفكرية، والعقلية.

ما هو العنف الأسري؟
العنف الأسري هو: مصطلح يطلق على نوع من السلوكيات، والممارسات العدوانية التي يمارسها فرد أو مجموعة على الأفراد، كالمرأة، والمسن، والطفل، داخل نطاق الأسرة الواحدة. وقد يواجه الطفل العنف أيضًا في المدرسة، أو البيت، أو الشارع. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فهو: مجموعة من الأعمال القسريّة، والبدنيّة، والنفسيّة، والجسديّة المستخدمة ضد الأطفال، أو النساء، أو المراهقين، والمراهقات.

أول تصدي للعنف الأسري في جميع أنحاء العالم كان في بداية التسعينيات فقط، كانت الحماية قليلة جدًا، ظهرت في الأمم المتحدة عام١٩٩٣.

وفقا لمنظمة (الصحة العالمية) فإن أكثر من مليون وأربعمئة شخصًا يموتون سنويًا؛ بسبب العنف ضد الأطفال.
وفقا لمنظمة (اليونيسف) فإنّ كافة الأطفال يوميًا يتعرضون للعنف من مختلف الأديان، والفئات الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والعمريّة، والثقافات.

ما هو العنف؟
العنف هو: فعل غريزي، أو أحيانا يكون سلوك مكتسب إذا عاش الطفل في بيئة يمارس بها العنف، ولا يوجد رادعًا قانونيًا أو اجتماعيًا ولا عقابًا للجاني. فيتلقاه الطفل من والده، أو والدته، أو الشخص المتكل برعايته بشكل عام.

العنف الأسري للطفل يكون على عدة أنواع:
١. العنف البدني: وهو يشمل جميع أنواع الضرب، والإيذاء الجسدي، سواء خلَّف آثار في الجسد أو لا، كالركل، والصفع، وقذفه بالأشياء، والعض، والخنق، واستخدام الأدوات في ضربه.

٢. العنف النفسي: يشمل جميع التصرفات، من حديث، واستهزاء، وحتى الإيماءات، والتجريح، والتحقير للطفل، تخريب أشياء تخصه، الصراخ، إهانته مما يؤدي؛ لتحطيم قدرته النفسية، والفكريّة، والمعنوية؛ مما يؤدي لزعزعة ثقته بنفسه.

٣. العنف اللفظي: يتعلق بكل كلمة سيئة وجارحة وخادشة وغير جيدة إلى السب، والشتم، وسوء الألقاب، خاصة التي يكرهها الطفل.

٤. العنف العاطفي: هو حرمان الطفل من حقوقه، وأهمها وأقبحها هو الإهمال كشراء الألعاب، والتخويف، والتهديد، والحرمان الاقتصادي.

٥. العنف الجنسي: يشمل التحرش بالطفل جسديًا، والاغتصاب، وإجبار الطفل على عمل المعصية بالتهديد. ويعتبر زواج الأطفال القاصرين وخاصة الفتيات في عمر الطفولة، أو قبل البلوغ؛ أكبر عنف أسري؛ لأن حياة هذا الطفل تنتهي عند هذه النقطة.

ما هي آثار العنف الأسري؟

أولًا: الأمراض النفسيّة والجسديّة: كاضطراب ما بعد الصدمة، والتوحد، الاكتئاب البسيط والحاد، الخوف والعزلة، انعدام الثقة بالنفس، انفصام في الشخصيّة، واضطرابات سلوكيّة؛ فيصبح الطفل عدوانيًا وتصرفاته عدائية، ويؤذي نفسه، ويسمى بطب النفس "بإيذاء الذات أو النفس" كأن يقوم بجرح يده أو ضرب نفسه، وغالبًا ما تبدأ في سن المراهقة، أو ترافقه من الطفولة؛ ليتخلص من الألم النفسي في داخله. أما الأمراض الجسدية هي: تأخر النمو، وأمراض الجهاز الهضمي كالقولون العصبي، الأرق ومشاكل النوم والصداع.

ثانيًا: مستقبلًا حين يكبر الطفل ويتزوج؛ قد يمارس العنف على أطفاله وزوجته، كونه عاش في بيئة عنيفة، والعنف ممكن أن يكون سلوك مكتسب أذا عاشه الأنسان. ونجد أن أغلب المجرمين السجناء، والقتلة، عاشوا في بيئة من الضرب والعنف الجسدي، والطفولة القاسية.

ثالثًا: يفقد هذا الطفل أو الشاب حقه أن يعيش حياة عادية مليئة بالهدوء والراحة والأمل، ويتأذى قلبه، وتتعس روحه لما عاشه.

رابعًا: انعدام المحبة في قلبه؛ نتيجة عدم حصوله عليها، أو العكس صحيح، كون "فاقد الشيء لا يعطيه"، وانعدام ثقته في الناس، ولكن لا يستطيع أن يمنحهم حبًا كاملًا؛ لأنه لربما نصف حياته كانت ألم وعنف.

خامسًا: الرهاب الاجتماعي، وصعوبة التواصل مع الناس؛ الخوف من فكرة الارتباط والزواج؛ كونه عاش في أسرة مفككة مليئة بالعنف والصراخ والضرب، وهذا يؤثر أيضًا على مسيرته الدراسية أو المهنية.

ما هو سبب فشل حماية الأطفال؟
• عدم وجود قانون صارم ورادع.
• حساسية الموضوع.
• قلة معدلات الإبلاغ عنه.
• إنكار الطفل لحدوث العنف؛ بسب التهديد والضغط عليه والخوف.

ما هي حلول العنف الأسري للطفل؟

١. الإرشاد التوعوي والنفسي، ونشر التوعية الفكريّة، والاجتماعيّة والأدبيّة بخطورة العنف الأسري ومساوئه، وكيفية التعامل مع الطفل، وتربيته بشكل صحيح بعيدًا عن العنف.
٢. نشر التوعية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمؤسَّسات العلميّة والتعليميّة، والمؤسَّسات الخيريّة والاجتماعيّة، ونشر التوعية بين الأزواج، والشباب، والأمّييّن، والذين لم يكملوا دراستهم؛ لخطورة وآثار العنف على الطفل والأسرة.
٣. وضع قانون صارم للأطفال يحاسب الجاني أيًا كان ويعاقبته، وتوفير العناية اللازمة للطفل.
٤. التبليغ عن حالات العنف الأسري ضد الطفل والمرأة، وتوفير مؤسسّة خاصة لهم ومكان مناسب.
أبدًا لا يوجد أيُّ سبب مقنع يجعلك تؤذي هذه الروح، روح طفلك، أو أيّ طفل آخر، أو المرأة. وأبشع سبب أن بعض الرجال يرون العنف مظهر من مظاهر السُّلطة، والقوة، والرجولة.
٥. إذا كنتَ/تِ تمارسوا أي نوع من العنف، وخاصة الجسدي والنفسي، ولا تستطيع أن تتحكم بنفسك؛ راجع طبيبًا نفسيًّا يساعدك أن تحب طفلك.

نهاية الأمر، لا تضرب طفلك، وتهنه، وتمارس عليه جميع أنواع العنف والأذى؛ ثم تقول إنَّ له رضا الله في برنا، صحيح هذا، لكن أنتَ تجعله يكرهك بهذه المعاملة، فامنحه المحبة. ما ذنبه ليصمت، أو يتحمل! هناك إنصاف وعدالة، وهناك محبة وإنسانيّة من الله، فمهما كان سببك، ومهما ارتكب الطفل من أخطاء، وسلوكيَّات، وتصرفات، فالعنف ليس حلًّا، والله لا يرضى به.

نور الهدى الحساني

مجلة أزرق | العدد العاشر 


المصادر:
منظمة الصحة العالمية.
كتاب النبي لجبران خليل جبران.
منظمة اليونيسف.

إرسال تعليق

4 تعليقات

  1. احسنتي يا مبدعة، ...الواضح هذا الموضوع سائد بمجتمعنا خاصة بدول الشرق الاوسط يحتاج ننشر هذا الموضوع بكل مكان، شكرا لبحثك في هذا الموضوع.... استمري 🌼🍃

    ردحذف
  2. أحسنتِ نور ��❤

    ردحذف
  3. شكراً لكم من فؤادي❤️❤️🕊️🕊️

    ردحذف