أدب الرسائل
“لا تكتبي لي جواباً …لا تكترثي ، لا تقولي شيئا. إنني أعود إليك مثلما يعود اليتيم إلى ملجئه الوحيد، وسأظل أعود: أعطيكِ رأسي المبتل لتجففيه بعد أن اختار الشقي أن يسير تحت المزاريب.” ― غسان كنفاني, رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان
كلماتٌ عذبةٌ صريحة تكشف عن مكنونات النفس وتُزيل جميع الأقنعة الاجتماعية التي يرتديها الكاتب لنيل استحسان القراء والنقاد، بهذه البساطة يمكننا وصف الكلمات الواردة في النصوص المصنفة تحت مسمى أدب الرسائل.
ولكن ما هو هذا النوع من الأدب؟ ومتى نستطيع أن نصنف النص الأدبي تحت هذا المسمى؟
يطلق هذا المصطلح عادةً على مجموعة من المراسلات التي تدور بين شخصين لهما مكانتهما، وقد يكون هذان الشخصان صديقين أو عاشقين وفي الواقع فإن الحالة الثانية تجذب اهتمام الجماهير بشدة وتشهد دائماً إقبالاً واسعاً على الرغم من الجدل الأخلاقي الذي يثار حولها تماماً كما في حالة رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان.
سابقاً وفي عصر الخلافة الاسلامية كان لأدب الرسائل أهميةً عظمى حيث تم إنشاء ما يسمى بديوان الرسائل وكان الخليفة شخصياً يشرف على ما يكتب في الخطابات الموجهة للأمراء والملوك والولاة.
ويمكننا القول بأن تعريف المصطلح بشكل عام شهد اختلافاً واضحاً ما بين الأدب العربي القديم والأدب العربي الحديث ويعتبر الأخير فقيراً جداً بهذا النوع من الأدب فالضوابط الاجتماعية والعادات والتقاليد المرتبطة بالمجتمع العربي، والنقد الأذع الذي يطول هذا النوع من الكتابات يجعلها خيارات مؤجلة أو مهملة لبعض الكتاب المقبلين على النشر، بينما يشهد هذا النوع انفتاحاً أكبر في المجتمعات الغربية وفي الأدب العالمي بشكل عام.
لكن على الرغم من جميع التحفظات التي ذكرتها إلا أنه يوجد عدة تجارب عربية حديثة في هذا المجال وأذكر منها:
1 كتاب الرسائل: رسائل محمود درويش وسميح القاسم
أشهر ما كتب في تلك الرسائل "عزيزي سميح، احذر قلبك، لا تدلـله أكثر مما ينبغي، ولا تهمله أكثر مما يستحق، فهو جهاز قوي وسريع العطب، وإلى أن تعيد قلبك إلى موضعه، وإلى أن تعود من زيارة قلبك، أتمنى لك كل الخير، وكل الشعر". محمود
2 في أدب الصداقة: رسائل عبد الرحمن منيف ومروان باشي
أشهر ما كتب في تلك الرسائل "العزيز عبد الرحمن، سألني شخص لا يخلو من بساطة وبلادة فيما إذا كانت صداقتنا مستمرة، فقلت له: وسوف تزداد بعد الموت وفي لقائنا في برزخ النور وفسحات الضوء الكونية". مروان
3 الشعلة الزرقاء: رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادة.
أشهر ما كتب في تلك الرسائل "يا صديقتي مي، ليس بين عناصر النفس عنصر أمن من القنوط، ليس في الحياة شيء أصعب من أن يقول المرء لنفسه: قد غلبت. والقنوط يا مي جزر لكل مد في القلب. والقنوط يا مي عاطفة خرساء". جبران
4 رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان
أشهر ما كتب في تلك الرسائل "غادة، كنت أريد أرضا ثابتة أقف فوقها، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا، إننا لا نستطيع أن نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة بالهواء". غسان
أدب الرسائل والثورة الإلكترونية
شجعت أساليب التواصل الحديثة اليوم على استخدام ما قل ودل من الكلمات حتى في الخطابات الأكثر قرباً وحميمية على الرغم من أن البريد الالكتروني على سبيل المثال كان من الممكن أن يكون أداةً مبهرة تحفز ازدياد هذا النوع من الأدب، لكن ميل الواقع نحو الحياة السريعة، جعل من المستبعد على الإنسان أن يجلس ساعةً مثلاً ليصف لمن يراسله حرارة مشاعره أو آلامه أو حتى أوجاعه فبتنا نشهد وسائل كتابةٍ لا تمت للعربية بصلة ومن هذا المنطلق جاءت دعوة منصة أوغاريت لإحياء أدب الرسالة لكي نكتب كل ما يجول في خواطرنا ونرسل جميع الرسائل التي لا طالما بقيت حبيسة أجهزتنا ولم نجرؤ حتى على الاعتراف بها على أمل أن نتمكن من دعم المحتوى الأدبي العربي المعاصر بجميع ألوان وفنون الأدب التي تليق بلغتنا الرائعة الغنية.
بقلم الكاتبة غادة اللبابيدي
2 تعليقات
مرحبا👋🏿
ردحذفجميلة حبيتها كتيير 😍
شكراً لك🌸
جميل
ردحذف