الهروبُ مِنَ الحقيقةِ










هل تخيلتَ نفسكَ يوماً مِنَ الأيَّامِ أنَّكَ شخصاً آخراً  وطمحتَ إلى ذلك ؟!





فمنَ المؤكدِ أنَّكَ عشتَ بعضَ هذهِ اللَّحظاتِ وسرحتَ في خيالِكَ الواسعِ، و تمنيتَ أنَّكَ لو كنتَ أطولَ ، أجملَ أو أنْ تمتلكَ عينين زرقاء كلونِ السَّماءِ، أو أيّ شيءٍ أنتَ تفتقرُ إليه، وذلك يكونُ بينكَ و بينَ نفسِكَ، ولكنْ هناكَ أشخاصٌ مَنْ يريدونَ أنْ يغيروا حياتَهم كُلِّيَّاً، ويمكنُ ذلكَ من خلالِ بحثِهم عن أشخاصٍ جُددٍ يتعرفونَ عليهم غيرَ القُدامى الَّذين كشفوا أمرَهُم وعلموا بأصغرِ أمورِهِمُ ، فهنا تبدأُ رحلةَ بحثٍ عن عالمٍ جديدٍ  وأناسٍ أجّد؛ لكي يغتنموا الفرصةَ ويُبحِروا في كذباتِهم من خلالِ عيشِ شخصياتِهم الافتراضيَّةِ، وذلكَ يكونُ مِنَ العيشِ في حياةٍ لطالما تمنَّوها ولطالما حسدوا الآخرينَ عليها، ومن الأسبابِ الَّتي تدعو المرءَ إلى اللُّجوءِ إلى هذهِ الدُّوامةِ الافتراضيَّةِ الَّتي لا صِدقَ فيها سِوى أنَّها مجموعةً مِنَ الأكاذيبِ والخِداعِ ، هي مجموعٌ مِنَ الظُّروفِ وأكثرُها تأثيراً هي الظُّروف ما بداخلِ المنزلِ ، ولا يصلُ المرءُ إلى هذه ِالدَّرجةِ إلَّا إنَّ ما بداخلِ المنزلِ لا يوجدُ غيرَ اللَّونِ الأسودِ والحياةُ لا تُطاق فيه، حيثُ كلّ فردٍ يلاحقُ ما يهوى ، ولا جوَ أسريّ مُتاحٌ به، حيثُ كلّ شخصٍ منزوي في زاويتِهِ الخاصَّةِ ليعيشَ به عالَمَهُ الخاصّ الَّذي يكونُ محاطٍ بصوتِ الصُّراخِ والزَّعيقِ ، صوتُ العُقابِ والموتِ البطيءِ، فما يبدي منه غيرَ البحثِ على عالَمٍ ملوَّنٍ ينعكسُ عليه ألوانَ قوسِ قزحٍ، وحتَّى لو كانَ صوتُ الكَذبِ به ، فنظرةُ إعجابٍ من غريبٍ نحوَ ذاكَ العالَمِ تكفيهِ ويجعلُهُ أكثرَ يقيناً أنَّ هذا هو العالَمُ الَّذي ينتمي إليه، وأنَّ هذا هو بيتهُ الأساسيّ، ولنْ يتخلى عنه أبداً، فيصبحَ كثيرَ الشُّرودِ تخطيطاً لما بعدَهُ منْ عالَمٍ آخرٍ ، فيصبحُ يحبَّ التَّغييرَ وإنشاءَ عوالِمَ أُخرى مِنْ أجلِ تغييرِ جلدِهِ لما يُناسبَهُ الوضع لحالتِهِ، وإلى ما يفتقرُ، وهذا ما يعتمدُ كُلِّيَّاً على ما افتقرَهُ في عالَمِهِ الخاصِّ، فإنْ كانَ أهلُهُ يعاملوهُ بشكلٍ قاسٍ و خشنةٍ فينسبُ إلى عالَمِ الافتراضي الحنانُ ورقةُ المعاملةِ لأهلِهِ، وهنا قد وصلَ عزيزنا الشَّخص إلى مراحلِ إدمانِ العيشِ في نظراتِ الآخرينَ، والانفصامِ في الشَّخصيَّةِ، وهنا تبدأُ مرحلةُ تغييرِ أصغرِ الأمورِ فيهم، يمكنُ أنْ يغيروا اهتماماتَهم ، ألوانَهُم المفضلةِ ، ألقابَهُم ، أسمائَهُم ، الكُتَّابُ المفضلينَ، وحتَّى أنَُّهم  يبدأونَ في خوضِ هذهِ التَّجربةِ وبإتقان؛ لإقناعِ الشَّخص الَّذي أمامهم، وإنْ رأوا شخصاً أهمَّ و أفضلَ منهم فهنا يتخذوا خطوةً للوراءِ، و كتابةُ صفاتِهم في دفترٍ يحوي ١٠٠٠ صفحةٍ مِنَ المُلاحظاتِ والمواصفاتِ الَّتي يريدونَ تحقيقها في شخصياتِهم القادِمَةِ، ومِنَ المؤكدِ مدحَ أيّ شخصٍ أفضلُ منهم أمامَهم يزيدُهُم غضباً وانزعاجاً؛ لأنَّ تلكَ الفئة مِنَ النَّاسِ الَّذينَ يُغيرونَ جلدَهُم كلَّ فترةٍ وفترة للحصولِ على المرتبةِ الأولى، وليسَ لكي يكونونَ مِنَ المشاهدينَ و تعلمهم كيفيةَ التَّصفيقِ للناجحينَ، فهنا يبدأُ الحسدُ ،و نعيدُ الدَّورَ مِن جديدٍ و البحثُ عن أشخاصٍ جددٍ يرونَ شخصياتٍ مختلفةٍ و جديدةٍ .





 وهذا يكونُ بسببِ نقصٍ في الشَّخصيَّةِ وضعفٍ حيثُ يبحثُ ذلكَ الشُّخصُ عن مَهربٍ مِن واقعِهِ المؤلمِ و محاولتِهِ للتَّحليقِ في السَّماءِ ، ومحاولةً منه سماعَ صوتِ التَّصفيقِ موجه إليه ولو لمرةٍ واحدةٍ بعيداً عن صوتِ القتالِ في بيتِهِ، و محاولةً لجذبِ أيّ انتباهٍ، وإعطاءِهِ الأهميَّةَ و المدحَ، و في النِّهايةِ كُنْ كما أنتَ فمَنْ يُحبُّكَ يتقبلُكَ في أشدِّ حالتكَ سوءاً وفي أظلمِها فتيقن أنَّه لو عشتَ لإرضاءِ النَّاسِ مُتَّ بحثاً عن الرِّضا.





زينة حلواني


إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. بصراحة انبهرت فيك مدموزيل زينة…كلماتك رائعة واختيارك للجمل في محله👏👏👏👏👏احسنت مدام

    ردحذف