اعْتِرَافٌ ذُكُوريٌّ -الجَلسَةُ الأُولَى






-خُرُوجٌ عَنْ قَانُونِ الاِعتِرَافِ-





عندما يُدان من أدانَ في زَمانه تِلالاً من الشّفاهِ والنهود… سيكون الجَّمعُ حينها غفيراً… وستتحوّل كلّ قصيدةٍ إلى رماد، كي يُنسى نضالَ المتّهمِ في جوٍّ من الحقد والموت.
وسيكون الجمع غفيراً، وكلّ الجرائم ستنسب له، حيث أن العدالة هي هذا الجمهور الذي يهتف بكلّ الألفاظ المخيفة، حيث كلّ إناث الأرض قد غيّرنَ اختصاصهنَّ من مجال المحاماة إلى القضاء والشرطة، وحيث يكون بعضهنَّ من الأجدر بهنّ أن يتخذنَ مهنة السجّان كمهنة دائمة.
حيث سيكون فعلاً الجمعُ غفيراً.





وقفَ المتّهم للكلام:
سيدتي القاضية… أعزائي الحضور…
لنتفق أن حتف العلاقات يتناسب طرداً مع مصداقيّة الرجل فيها، كما تم تدريسكنّ، وكما هو متعارفٌ عليه في مدراس الجهل هذه أن الرجال كثيرو النفاق، وحاشى للأنثى أن ترتكب الحماقات، سوى تلك التي تُجَرُّ لها من قِبلِ الذي سلَّمَتهُ قلبها وحياتها حتى قبل الثقة والمعرفة الصحيحة.





ودعونا الآن ندخل باب الاعتراف من ممرّ الوضوح، فأنا لا أريد محامياً طالما لديّ حق الكلام والدفاع عن نفسي، نفسي فقط وليس أحداً آخر.
وأظن أنني لن أخترق المألوف، لكنني سأعترف بكل ما هو موجّهٌ ضدّي بموضوعية وشفافية بحتة، وعلى طريقتي الشاعرية الخاصة.





سيداتي سادتي…
لقد رُزِقت الحرف والحبّ مع أول ابتسامة فتاةٍ… ولطالما كنت مصوّراً للجمال بكلّ أنواعه… لطالما أنارت أبجدياتي عتمة الكثيرين منكم، ولكنكم مدفونين في قعر الحقيقة، متشبثين بما تقوله السيدة (مستغانمي) كما لو كنتنّ تمتنَ عطشاً فتكون أفكارها وحروف غيرها ماء الروح لَكُنَّ.
أو ربما كنتنَّ متعطشات للإنتقام.. لكن لماذا أنا؟!





نعم… ربما ارتكبت ذنوباً تحتّم عليّ اعتزال النساء والنفي لجزر العقاب. فقد أيقنت متأخراً بعد انتهاك حرمة الجسد أن جنودي لا يشرّفون مملكة الإناث العظيمة وأنّ الحبّ ليس عابراً في كلّ مرة يخلق فيها بين مفاصل اليدين المتشابكة.. ولربما أجدر ما يغفر لي خطيئتي أنكنّ لا تملكن الجرأة على تقديم النصيحة للرجل ولا حتى على إنارة الطريق في أي علاقة مبجلة خوفاً ممن قد يعتبرون هذا التصرف ثغرة في جدار قلعة كبرياء الأنثى.
فهل من المنصف حينها ان يكون عبء العشق مقتصراً على الرجال؟!
إنني لا أتكلم لأعمم الخطيئة على جنسٍ معيّنٍ، وإنما دفاعاً عمَّ حالت إليه أحوال قلبي حين أُصلِحَت.
الخوف يعتريني سيداتي الحضور، ولا أثق في رجفة شفاهي أنها لن تكون نقطة ضعفٍ أُحاسبُ عليها، ولكنني يمكنني أن أرى هذا الخوف في هذه المحكمة الموقّرة سبباً مولداً للطاقة والجرأة والوقاحة لكلّ متهم، لا سيما إن كان المظلوم شاعراً.





صرخت امرأة بكلّ جرأة:
لقد ضاجعني شاعرٌ وأبى أن يعترف بحبنا.. لقد خدعني شاعرٌ، لقد دمّرني.





ردّ المتّهم باكياً:
وضّبت مسؤولية الحب طيلة عمري وفي كل علاقة وحملتها على عاتق قلبي بكلّ سرور، والآن أحمل ذنب زميل أحمق وذنب امرأةٍ غبية.





أحد الحضور:
إنها دموع التماسيح.. لا تصدقوه، فالرجال لا يظهرون دموعهم إلا نفاقاً.. عاقبوه، عاقبوه.





نظر إليها وقال:
أظن ان المتخلّف هو الوحيد الذي يعاقب العنب على ذنب ومعصية النبيذ.





عيسى ماهر


إرسال تعليق

1 تعليقات