جرم مختلف |نور الفصيح







كانت تحدِثُني عما تألَمتهُ حينما كنتُ جنينًا في بطنها ، كنت أستمعُ لها بشغف ، مع أنها كانت تحدثني عن آلامها ، عن ركلاتي لها في بطنِها وعن الليالي التي قد عذّبتها وهي ساهرةٌ على سريرِ المشفى تنتظرُ كلمةً من الطبيبِ بالخروج !
قالت لي يومًا : نجوتَ بأعجوبة يا بني ، لكَ نصيبٌ من الحياة في هذه الدنيا !
كنتُ أشعرُ حينها أنني عبءٌ ثقيلٌ عليها وأنّ مكانيّ القبر والظلمة
فأتجاهل حزني وأُكمل فرحتي وأهمُّ بالقولِ: هيا يا أمي أكملي وماذا بعد ؟
تأخذُ نفسًا عميقًا وتقول لي غدًا أكملُ لك ، أو ربما تعرف ما نويت أقوله لك بمفردك ومن ثم تغادر غرفتي وتتركني وحيدًا حائرًا بين عددًا من القذائف التي تفتك رأسي
فأستسلمُ للفراش وألقي برأسي على السرير ممدًا كقتيل أنفثُ بقوة وأتأَفَفُ من أمي ، أتَمْتِمُ بصمت أريحيني يا أمي أريحيني ماذا بعد
وهذا حالنا كل ليلة !
يأتي بعد ذلك أبي ، يلقي بنفسه على الأريكة ، يلعنُ الحكومة ويلقي اللوم على أمي ، أسمعُ بعض الهمسات
يا رجل أخفض صوتك قليلًا ثابتٌ سيسمعنا
ما شأني يا امرأة فليسمع هذا الولد ، يكفي أنني أعاني بسببه كل يوم أمكثُ على قدماي لأجل أن يعيشَ هو وأنت ، ماذا أقول ياربي فقدْ بُليتُ بكما وانتهى أمري!





رفعتْ صوتها قليلًا ، بل من أجل نفسك وتجارتك….،
لكَمها ضربةً على وجهها ، سمعتُ صوت سقوطها على الأرض ، تسارعتّ أنفاسي، لملمتُ نفسي وشققتُ الباب قليلًا أبصرُ ما يحدث ، رأيتُ وجهها ينزفُ دمًا ، وعينيها قد جفّ الدّمع فيهما ، مسحت بطرف كُمِها ما نزف من الجرح ، وسألته بهدوء : أتريدُ أن أُعدَّ لك العشاء؟…
كورتُ عيني في دهشةٍ من أمي ، كيف لها أن تقدم له العشاء فور ضربها وجرحها لا يزال ينزفُ وعيناها ِتخبئآنِ كثيرًا من الأسرار !
عدّتُ مجددًا ألقي برأسي تحت الوسادة ، دفنتُ ألفًا من الأسئلة في رأسي وألقيتُ لحافي وغطَتُ في نومي.





هذا الولد سيعودُ لأبيه غدًا ، ثماني سنواتٍ كافية له بيننا ، أليس له والد فليذهب ويعيش معه ُ.





استيقظتُ مذعورًا من نومي ، أهذا حلمًا أم أنني بدأت أتخيلُ أبي مرارًا ، لم أشعر يومًا أنني ابنه ، لما يراودني هذا السؤال فجأة ، ثماني سنوات لم يعتريني هذا الشعور ، هممتُ بالقيام لأتناول كأسًا من الماء ، فسمعتُ همسًا مجددًا
_ غدًا سأرحل أنا وثابت ، لا أترك وحيدي لوحده





_ فلتذهبنّ لجهنم ، ما شأني بكم ، لكن لا تنسي أن تضَعيْنَ ورثتكِ التي تُخْفينها عني هنا أمامي أفهمتِ وإلا جعلتكما تتوسلون إليّ بكاءً ، في ثوانٍ أنشرُ خبركُما في القرية ، يا ابنة جواد بيك.
أو أَجُرُكِ ذليلةً أمام أبيكِ ، تخيلي معي ربما يقطع رأسك بالسيف أمام العوام ، كما يفعل بحراسه الذين يخطئون معه أو ربما يلقي بابنك من فوق شرفة القصر !
صرخت أمي حينما قال عني كلماته الأخيرة وأجهشت بالبكاء ، حسنًا حسنًا سنرحلُ وكل مالنا لكْ





تذكرتُ كلماتها ففهمتُ أنني لست ابنه وأننا كُلُنا غرباء هنا !
كان لا بد لي من فعل ذلك ، كنت أودّ معرفة الحقيقة وسرُ أمي ، وقفتُ على قمة الجبل في نهاية القرية ، بعدما تجمهر الناسُ وأتت أمي حينما أخبروها بمكاني ، هتفتُ بأعلى صوتٍ من أنا يا أمي ، ألستُ كنت أركل بطنُكِ وأنا جنينًا ، ألم ُتحدِثيني عن لحظاتِ ولادتي ، من أنا ؟ من ذاكَ الرجل ؟





توسلتْ إليَّ مرارًا بأن عدّ يا بني ، انزل من هناك ، بكت كثيرًا ، ألم يجفّ دمعها أمس !
أمي تبكي وأنا أبكي وذاك الرّجل يطلقُ ضحكاتٍ خبيثةٍ ، قال بصوت عالٍ: اليوم نهايتَكُما يا أذلاء
استدارَ هو وجُثت أمي مؤكدةً لما يقول… أبصرتها تقول نعم دونَ أن تحركَّ ساكنًا ، نزلتُ إليها وأخذتُ بيدها ، قلتُ لها لنموتَ سويًا يا أمي ،ونترك هذا العالم ،أو لنرحل معًا إلى والدي ، همست في أذني سامحني يا ولدي ، إنكّ ضحيةُ جرمٍ اقترفته ، صدقتُ كذب أبيكَ وهربتُ معه وتركني أحاربُ شبح والدي والقرية…،
جمال ليس أباكْ ، رجلًا قد أخفى جرمي معي حينما قبلَ بنا ! لم أود تركك !
والدك خدعني وجدُّك َهددني مرارًا ، فرحلتُ بك مع هذا الرجل تزوجتهُ من أجلك وتزوجني لأجل مالي الذي سرقتهُ من والدي ليلة هروبي من القصر ، وهذا ما وودت أن تعرفه مني يا ولدي!





قتلتيني يا أمي قبل أن يأتيَّني الموت ، كنتِ أنتِ قابضُ روحي ، حملتني تسعة أشهر هباءًا ،ولو قتلتني جنينًا لقتلتيني مرةً واحدةً ، وها أنتِ ترتكبين جرمين في نفسٍ واحدة ، إما أن نعيش كرامًا يا أمي أو فلننامَ طويلًا تحت الثرى…… !!!!





النهاية
نور خميس الفصيح


إرسال تعليق

1 تعليقات