ذات الدين | آية إدلبي





كثيراً ما نقرأ آية قرآنية ونحفظها ونرتلها مراراً وتكراراً دون أن نتدبرها أو نفهمها ودون أن نستنبط منها الحكم والبيان الأساسي التي أتتنا فيه ، وكذلك الحال في بعض الأحاديث النبوية الشريفة فقد نحفظ أحاديثاً عديدة ونعتاد عليها ونأخذها بعينِ الاعتبار ظاهرياً دون أن نفهم معناها الدقيق المُبطّن بين طياتِ كلماته ومن جملة هذه الاعتيادات اعتيادنا على حفظ قول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة : عن النبي ﷺ قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك .
فاظفر بذاتِ الدين :
فما معنى ذات الدين ومن هي ذات الدين حتى قَرَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج بها بالانتصار في قوله فاظفر !
نحن غالباً ما ننظر لهذا التركيب "ذات الدين" بأنها من كانت متدينة ومسلمة ...وهذا أمرٌ مؤكد لا ريبَ فيه ولكننا لتو ما نقرؤه سرعان ما يبدر إلى أذهاننا وبدون إداركٍ أو تدقيق بأنها هي التي ظهرت عليها تعاليمُ الاسلام كافة ، من لباسٍ وعفة وما إلى ذلك ونغفى عن الحقيقة التي تتحلى بها تلك المرأة الكريمة من تفاصيلٍ قد استوطنت فيها من كرم هذا الدين .
فذات الدين هي من تحققت فيها خصال العقيدة الاسلامية جميعها من علمٍ و طُهرٍ و عفاف و وعيٍ وإدراك وإلتزام...فهي تلك التي استقرّت خصال الإيمان بذاتها و ملكت أسس العقيدة بأكملها وكما نعلم بأن الإسلام دينٌ شامل ومتين ، ثوابته لا تتغير بتغير الزمن وإنما تصلح لكل تغير قد يطرأ على أجندة الزمن .
والاسلام ديناً يُفقِّه الإنسان بالحياة والعيش وقد جعل من الايمان وقوداً ليستمر المرء في حياته وعلاجاً له من كل شيء.
فمن استقر بذاته الإيمان سلم من المكدرات واستقر حاله وأزهر بقلبه وإبداعاته لذاته ولمن يحيطه ومن هذا المنطلق سندرك مفهوم تركيب ' ذات الدين' . فالمرأة التي آمنت بالله حقَّ الإيمان وتعلمت قواعد الإسلام وتفقهت بالدين هي التي فقهت الحياة وفهمتها وحيتها وهي من تقتدر على أن تُحيي كل من معها بهذا الدين الذي تفقهته لأن فقه الدين هو أساسٌ للتفقه في الحياة وقوانينها ومن أساسِ الدين أنه منافي للجهل و مُقترنٌ بطلب العلم ومن أساسياته أن تُعطى المرأة حقها ومن حقها أن تتعلم وتتفقه وهذا هو الجوهر الذي تُبنى عليه ذاتها ومن هنا تبدأ عظمتها حيث طلب العلم واجبٌ عليها لا حكرٌ وكلما تعلَّمت فَقِهَت وتفقهت بالدين والحياة معاً بالآنِ ذاته ، ومن صور ذلك ما يلي : أنها أدركت بأن طلب العلم حق لها وواجب عليها فبحثت في العلومِ كافة فأخذت ما لاءمها منه وغرقت بما ينفعها فيه لِحَدِّ أن ترتويه كي تعطي كل ظمآن مرّ بها يستنجدها .
هي من فقهت أنَّ الحياة -كما توضحت لنا بالدين- أنها رحلة تعقبها محطة الخلود فعاشتها بيُسرِ دينها ووظفت أشغالها ضمنه وبهذا فهي جملةٌ من السكينة لمن معها حيث لا ضجر ولا شؤمٌ مما يعتريهم في الحياة .
هي من فقهت قول الله عز وجل : اقرأ ، فقرأت وبنت لنفسها أساساً من القراءة والمتابعة الثقافية فتثقفت وتعلمت فقه كل شيء مما أضفى عليها رونقاً آخر في جمالية روح إيمانها.
هي من كانت بدينها بحرٌ عميق يغترف منه أهلها سلامهم ومن إيمانها ثباتهم .
هي من كانت قواعد الايمان مستقرةٌ فيها على هيئة نورٍ يقتبسونه أهلها لينيروا ظلمتهم فيه .
هي من فقهت فقه الحياة الصحيح بعد أن امتلكت أيديولوجيةً في الفهم والتطبيق فازدوجت عندها مفاهيمٌ شتّى في قيادة الذات لتقيم للناس منازلهم ولذاتها وأهلها منازلهم ، وهي من بنت بأيدولوجيتها على أُسسِ الإيمان صرحاً قويم من ثباتها لأهلها وذاتها كي لا تنزلق أقدامهم على أرضية الفتن .
هي من انتعشت فيها حيوية الإسلام وكان صفاؤها فيه سِمةً تسمو بها . ومن هذا يتضح لنا بأنّ ذات الدين ليست من ألقت على نفسها الجلباب وحسب ، ليست تلك التي حفظت كتاب الله دون أن تتدبره أو تطبقه ، و ذات الدين ليست تلك التي تعتقد بأنها كتلةً من التشدد الذي في غير موضعه وتُصيّرُها خياراتٌ هنا وأخرى هناك .
ولكن : ذات الدين هي التي عرفت حدود الله في فقه التعامل مع الناس فأعطَت للناس حقوقهم و صانت حقها .
ذات الدين هي التي تحتَدُّ بثباتها مع الفتن فتصون نفسها وأهلَها جميعاً بدرع إيمانها وتجنبها للشبهات .
هي التي فهمت الاسلام بعمقه وروحه وفطرتها عليه فالتزمت به واحترمت عظمته التي جعل منها عَظيمةٌ فيه لأن الإسلام عظيماً لا يُحققه إلا العظماء .
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : فاظفر بذات الدين ولم يخصص أمر معين أو يقول بذات الخصال كذا وذاك .
بل ركّز على من امتلكت تلك العظمة التي جعلتها نصراً وظفراً لمن حظيَ بها لأنت في حبها لن يضل ولن يشقى وسيحيا بحيوية إيمانها الطَيِّب الذي يخلو من كدرِ الخبث فلا يسأمُ بها ولا يأسى فيها فهنيئاً لمن تمكنت فصارت ذاتُ دين ومباركاً لِكل من ظفر بذات الدين.

بقلم : آية ادلبي


إرسال تعليق

1 تعليقات